القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 535 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: القرار الثقافي كردياً

 
الأحد 06 تشرين الثاني 2016


إبراهيم اليوسف

هل هناك قرار ثقافي كردي؟.

سعيت- مجدداً- لطرح هذا التساؤل على نفسي، في محاولة استقراء العلاقة بين المشهد السياسي الكردي، بتشعباته، كلها، من جهة، ودور المثقف الكردي في ذلك، من جهة أخرى، كي أصل إلى نتيجة لا يسر لها الخاطر، في ظل حالة التشرذم الثقافي التي  بلغت ذروتها في محطة مرحلة ما بعد الثورة السورية. إذ حدث للكثيرين- ممن يعتبرون أنفسهم ضمن هذا الحقل- أن بدؤوا يقدمون ذواتهم، ليس لفعل أي شيء من أجل أهليهم، بل ليكون لهم موقعهم في اللوحة المقبلة. وهنا، تحديداً، كان مطب هؤلاء. إذ سرعان ما تم اصطياد الحالة من قبل الأطراف السياسية، المتنابذة، فيما بينها ، كي يتم استثمار هؤلاء، من قبل طرفين رئيسين، أحدهما يمتلك مفاتيح فنادق الإقليم، وثانيهما بات يمتلك سطوة البندقية، ميدانياً، وكانت له إغراءاته، الموازية، فندقةً، ومكاسب، وحظوة، بما يبزُّ مكاسب الطرف الأول.


لست-هنا- في موقع تحديد شرعية أي من الطرفين" وإن كانت لي قناعاتي الخاصة حول ذلك" بل بصدد تأثير الخلاف الناجم بين الطرفين على المشهد الثقافي. إذ نظر كل منهما إلى المثقف كمجرد  واجهة، بعد أن سال لعاب هذا الأخير، في بداية الثورة على ما سيتكسبه،  وإن  زال، الآن، ذلك البريق الذي كان يشد كلاً منهما إلى الآخر. إذ إن خيبة الكثيرين من المثقفين والمتثاقفين، سرعان ما تمت، ولم يفز سوى قلة قليلة ب"الأعطيات" الطارئة، وكان ذلك، يتأتى، من خلال رهن المثقف صوته لهذه الجهة، أو تلك.
ثمة تضليل مبرمج، تم من قبل الحزبي، في بداية الثورة، في مواجهة كل ما لا يخدم أجنداته المباشرة، وحتى مصلحة"أمينه العام" أو" سكرتيره" و" عضو مكتبه السياسي" أو حتى "المركزي". وقد حصل أن تم التشهير على أوسع مدى بحق أوائل المثقفين الذين انضموا إلى الثورة السورية، في مواجهة آلة النظام، وكان أن تمت- أردغنة- بعضهم، زوراً،  من قبل من كان يطلق رصاص الاستباق على المثقف الذي سبقه إلى الميدان النضالي، في الوقت الذي كان يبحث له عن موقع قدم في هذه الواجهة من واجهات الثورة، أو غيرها. بل إن منهم من راح يتموقع في مثل تلك الواجهات، بعد أن عاب على من سبقه، عندما كان لهذا الموقف كلفته التي لا يجرؤ عليها، بالإضافة إلى موانع أخرى، لست بصددها، الآن..!.
كما أن من راح  يشنُّ هجومه تحت شعار -الخنادق لا الفنادق- على كل من لا ينضوي ضمن خياره المغامر، لم يبد أي موقف خندقي، بالمعنى المزعوم، خارج امتيازاته المعنوية، بل والمادية، ناهيك عن فندقة أبعاض أمثاله من الذين باتوا يسوحون في عواصم كثيرة، من دون أن يكون أحد هؤلاء- مراسلاً حربياً- على خطوط مواجهة أعداء الكرد، من المتشددين، أو التكفيريين، إلا في إطار مقاومة" التقاط الصور" بعد تحرير هذا المكان، أو ذاك، أو الاحتماء  وراء سواتر البطلات والبطلات من شاباتنا وشبابنا، من دون أن يكون لأحد هؤلاء قريبه المباشر بينهم، وما أكثر هاتيك الحالات المشخصة...!.
لم تبق تناقضات المشهد السياسي الكردي، ضمن هذا الإطار، بعد أن أصبح لأعداء الكرد،  المحليين،و الإقليميين، وما بعد الإرهابيين، حضورهم الميداني، على اختلاف هويات هؤلاء، ما جعل الأمر ينعكس على المشهد الثقافي- على نحو درامي- بعد أن شلت أدوار المجموعات الثقافية الإعلامية المستحدثة، بعيد الثورة، في طريق ضمورها، واختفائها، باعتبارها لم تؤد على امتداد سنوات الدور المطلوب من المثقفين، أثناء الأزمات التي تتعرض لها شعوبهم، لاسيما في ظل الحروب. هذا الأمر وضع هؤلاء في محنة لا خلاص منها، بعد أن سلموا قرارهم الثقافي لغيرهم، وإلا فإننا لم نلحظ، أية نقود حرة، من قبل هكذا مثقفين، في مواجهة الأطر التي يحسبون عليها، لأنهم يستمدون جدوى وجودهم، من خطاب السياسي، لا من صلب خطابهم الثقافي، وهنا مكمن أزمتهم المستفحلة.
ومن عجب- حقاً- أن يتقهقر دور المثقف، إلى درجة أن بعض-التكيات- الفيسبوكية، التي تعمل تحت رعايات جهات معروفة، ذات تأثير أكبر في صناعة- القرار– من دوره، وإن كان من شأن بعض مهرجي هذه التكايا  ممارسة التضليل الإعلامي. فما أكثر ما وقف هؤلاء المهرجون  الصغار ضد ظاهرة ما، كي يمدحوها، عندما يؤمرون بذلك، وهلم جرى، في دوامة لا تنتهي، مستلهمين توجيهاتهم، من قبل قيم، يأخذ هو الآخر توجيهاته من سواه، إلى أن يصل الأمر إلى المصدر المجهول/المعلوم، متسلحين ببريق الشعارات الكبيرة التي تتسع الهوة بينها والممارسة الميدانية الفعلية.
ثمة مثقفون، نأوا بأنفسهم، أن يكونوا  مع هذا الطرف من الصراع أو الآخر. من بينهم من يفعل ذلك، كي يقدم نفسه لدى كل جهة  على أنه القريب منها، و منهم من يفعل ذلك ياساً، كما أن منهم من يفعل ذلك- كموقف- لكن، لا مسوغ لأحد منهم جميعاً، مالم يمارس دوره النقدي، بجرأة، وإن كانت هذه الممارسة النقدية تعرضهم ليكونوا مستهدفين من قبل طوابير الجهات المتضررة نقدياً. لاسيما تلك التي  من شأنها ممارسة العنف، مع ملاحظة أن هذه الممارسة، حتى وإن بدت الآن وقفاً على جهة ما، إلا أن الجهة النقيضة لها، استخدمتها، هي الأخرى، ولاتزال، في حدود إمكاناتها. وفي هذا ما ينم عن أزمة ثقافية لدى السياسي الكردي تجاه الثقافي. إذ يستخدم العنف في مواجهة المختلف معه، وإن تطور ذلك العنف من المعنوي، إلى أعلى أشكاله، وبما يتنافى مع أخلاقيات وثقافة الكردي..!.
من هنا، نجد، أن المثقف، خلال خمس السنوات والنصف، من عمر الثورة السورية، هو الأقل حضوراً في المشهد الكردي العام، وذلك، لأن كثيرين، من مثقفينا- وللأسف- ساوموا على أدوارهم، وقبلوا بالظهور الموقوت، قبل أن يتم إلغاء أدوارهم، على نحو نهائي، حتى وإن يتم الالتفات- لاحقاً- وبشكل مشروط، لإعادة النظر، في جزئية ما، من نشاطهم: إصدار مجلة- طباعة كتب- منجز سياسي عبرقناة حزبية صرفة أو غير ذلك، بما يعيد الاعتبار إلى أبعاضهم، بعد أن افتقدوا جدواهم. وكل ذلك، لا يخرج، حتى في أعلى أشكال- الاحتضان- عن إطار "الاحتواء" والإقرار بعدم امتلاك القرار الثقافي.
ثمة أمر آخر، لابد من الإشارة إليه، وهو هرولة بعضهم، بعيد انطلاقة الثورة لتقديم- أوراقهم الثبوتية- ليبدو كمثقف- سواء أكان ذلك عبر صفحة فيسبوك يقدم فيها مقولات ممجوجة- أو عبرطباعة كتاب ما، حتى يحتل موقعاً قيادياً، مستغلاً حالة الفوضى التي لا تميز بين الدعي والإبداعي..!.

ولئلا نعمم أحكامنا، فإنه لايزال هناك، من يمسك بجمر الثقافة، من دون المساومة على دوره، لأية جهة متنفذة، مهما كان توصيفها: الوطني، أو الأيديولوجي، ويظل هذا الصنف من مثقفينا، بالرغم من محدودية تأثيرهم، بسبب العزلة العامة التي فرضت على المثقفين، بشكل عام، إلا أن من شأن هذا "الأنموذج" ألا يرفع يديه، مستسلماً، حتى وإن كان فعله الثقافي ، محكوماً بمنظومة هذه الشروط الصعبة.
في ضوء قراءتي لتاريخ الأمم والشعوب، وبالرغم من وجود الآراء المتناقضة- بحسب المصالح والتخندقات القائمة- ضمن جبهتي: الخير/الشر، أكاد لم أجد حالة لا جدوى، آلت إليها النخب الثقافية لدى تلك الشعوب، في لحظات التحول الأكثر درامية- ماعدا الحالة السورية العامة المعاشة- مشابهة للحالة التي انحدر إليها مثقفنا الكردي. إذ أن خطابه بات عديم التأثير، لاسيما بعد أن بات منفعلاً لا فاعلاً في مختبر انتشار وسائل التواصل، وهو ما يجعله مسؤولاً عن حالة الانكفاء- هذه- كما أن المسؤولية تقع في الوقت ذاته على السياسي الذي غذى لحظة الانتهاز لدى المثقف، ما أدى إلى كل هذه التشرذمات التي تكاد تجعل نسبة كبرى من هؤلاء جزراً معزولة.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.14
تصويتات: 14


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات