القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: العلاقة بين القومية و الدين و الحالة الكردية

 
الجمعة 01 حزيران 2007


  ابراهيم خليل   

إن محاولات هيمنة الطبقات الدينية على السياسة و الدولة و التداخل فيها بما يمكنها من السيطرة عليها هي ليست محاولات
جديدة بل قائمة منذ ظهور أنماط الحكم البدائي القبلي إذ لا تزال نماذج منها قائمة في بعض البقع النائية من العالم و مرورا
بالأشكال التقليدية للحكم كالإمبراطوريات القديمة منذ ما قبل الميلاد و بعده حيث سلطة الكهنة اللامحدودة بأشكال مباشرة


أو في الخفاء مرورا بالشكل الثيوقراطي الذي هو مزيج من الملكية و الاستبدادية و مبارك من قبل المجمعات الدينية أو الطبقة
الكهنوتية و الذي يفترض بالحاكم أن يكون موسوما وسما إلهيا و يحتمل أن تكون الثيوقراطية سلطة عليا تحد من سيادة الحاكم المدني و تجعل هذه السلطات خاضعة لإدارة الرئيس الديني و لا تزال أشكال منها باقية كما في إيران مثلا  و وصولا إلى شكل الدولة الحديثة القائمة بعد الثورة الفرنسية و ما رافقتها من تبدلات في أشكال الأيديولوجيات الحاكمة .
و بقيت أشكال السلطة السياسية تعاني من هذا التداخل و محاولات الهيمنة عليها سواء بالرضوخ لها أو مجابهتها بعدما تغيرت
المعادلة بظهور أشكال جديدة و تيارات دينية بمسميات سياسية هدفها منافسة الطبقات الثقافية و التيارات العلمانية في العصر
الحديث حيث تبقى الغلبة دائما لتلك التيارات الدينية على حساب بقية الاتجاهات و خاصة في المجتمعات المتخلفة أو القاصرة
فكريا بحكم القمع و الاستبداد الممارس بحق هذه المجتمعات و حرمانها من حقها في التطور العقلاني و الثقافي فيما يتعلق
بالحريات الفكرية و مجتمعات منفتحة على رؤى جديدة فيما يتعلق بحاجات الأفراد و مصالحهم .
و عندما نشأت القومية في ظل الحضارة الحديثة كانت نشأتها وجها من وجوه التغيير الاقتصادي و التكنولوجي و الثقافي
الذي أطلقته تطورات هذه الحضارة و بنيتها الفكرية و أثرت في وعي الجماهير بقدرتها و شأنها في تسيير دفة السياسة
فجاء نشوء الشعور القومي مقترنا بنمو المشاعر الديمقراطية و تقدم  وسائلها و من هنا بدأ  الصراع  بتقارب الوحدة الثقافية
الدينية مع التقاليد الاستبدادية بأشكالها المختلفة في محاولة إعاقة نمو الشعورالقومي  كما أن التيارات الدينية بمختلف مدارسها
و تشعباتها الاثنية و المذهبية وقفت موقفا مناوئا للقومية باسم الشعور الديني  و اعتبروا أن روح القومية هو شر سيؤدي إلى 
(دمار مادي و معنوي سيسفر عنه وضع جديد تتجلى فيه آيات الله و تنتصر مصالح الإنسانية) حسب المفكر الكاثوليكي لورد اكتن و كما يقول عنها عبد العزيز بن باز رئيس هيئة الدعوى و الإرشاد و مفتي مكة ( إن الدعوة إلى القومية دعوة باطلة و خطأ عظيم و منكر ظاهر و جاهلية و كيد سافر للإسلام و أهله) .
و لم يختلف الواقع السياسي الكردي عن هذا السياق التاريخي لهذه المعادلة فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين كحالة روحانية و السياسة كحاجة مادية رغم اقتصار الممارسة السياسية على بعض أنماط الحكم الذاتي في عهد الإمارات الإسلامية في العصر العباسي و العهد العثماني  أو القبلي و المشيخات المحلية المنتشرة في المناطق الكردية و صولا إلى بدايات انتشار الوعي القومي في نهاية القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين حيث انشقت عنها شخصيات تحدرت من عوائل متدينة أيدوا هذا الشعور القومي الناشئ أمثال الشيخ محمود الحفيد و الشيخ سعيد و سيد رضا و غيرهم الكثير ممن ساعدتهم ظروفهم الدينية من الاطلاع على ثقافات أخرى مستشرقين بذلك مستقبل التطور الذي طرأ على العالم الحديث .
و مع ظهور بوادر تأطير النضال السياسي الكردي عبر جمعيات ثقافية تطورت فيما بعد إلى تنظيمات سياسية و حزبية شاركت بعض الرموز الدينية فيها في محاولة منها للإبقاء على أدوارها القيادية في المجتمع و أظهرت نياتها الحقيقية عبر محاولات فرض إيديولوجياتها على قواعد تلك الأحزاب الفتية كما حصل مع أول تنظيم سياسي كردي في سوريا عام 1957
عندما اقترح البعض إضافة فقرات إلى النظام الداخلي تلزم الأعضاء الحزبيين على أداء الشعائر الدينية كالصلاة و الصيام و غيرها.
و عندما فشلت بفرض معتقداتها انشقت عنها و بدأت بمحاربة الحركات السياسية الناشئة التي اختارت توجهات شبه علمانية
لضرورات مشروعها القومي متهمة إياها بالكفر و الإلحاد .
إن انخراط مثل هذه المجموعات في الأحزاب القومية الكردية لم يكن بدافع الإيمان بالشعور القومي بل اتخاذ هذه الأحزاب كطريق يؤدي إلى العودة إلى قيادة المجتمع كتوجههم إلى الانتساب إلى أحزاب ماركسية و شيوعية رغم التنافر ما بين هذه الأحزاب و معتقداتهم كما حصل في الأربعينيات من القرن الماضي .
لذا فان محاولات إقحام الدين في الممارسة السياسية و محاولة إضفاء صبغة دينية على الحركة الكردية و خاصة في سوريا هي أيضا ليست وليدة اللحظة الراهنة رغم اختلاف أشكال تدخلاتها و إن ظهرت جلية و واضحة للعيان في الآونة الأخيرة و إن بشكل خجول و لكنها قد تشكل خطرا على الثقافة القومية بنجاحاتها و إخفاقاتها في المدى البعيد إذا ما استمر تدفق هكذا مشاريع مجهولة الخلفية في الشارع الكردي اليائس نتيجة هذا الوضع اللامنطقي  و اللامقبول الذي تعانيه الحالة الحزبية الكردية في سوريا . و إن بقاء مثل هكذا فراغ سياسي قد يؤدي إلى نتائج كارثية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حماقات البعد الثقافي للبعض ممن كانوا فيما مضى يزايدون على ماركسيتهم و علمانيتهم و قد تحولوا بقدرة قادر إلى حماة للعقائد الدينية و المذهبية بالإشارة إلى أخطار التنصير تارة و تلفيق التهم بحق البعض من أقطاب الحركة الكردية في سوريا بحجة  تعرضهم لشخصيات دينية تارة أخرى تاركين خلف كتاباتهم هذه جدلا ستتشعب عنه ما هو ليس في مصلحة الشعب الكردي و تطلعاته القومية و الذي يحاول البعض جاهدا جره إلى مواقع و صراعات لا تخدم قضيته العادلة في ظل هذا الهوس الديني و الطائفي
الذي يجتاح المنطقة نتيجة سياسات الاستقطاب الإقليمية و حسابات لسنا معنيين بها لا من قريب و لا من بعيد.

    roni_ebrahim@hotmail.com

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات