القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 517 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: سوريا مابين تردد أوباما وحزم پوتين

 
الأحد 25 تشرين الاول 2015


خوشناف سليمان  

هناك مبدأ أساسي في فن القتال يتمثل في تحديد الثغرات، أو نقط الضعف لدى الخصم ومن ثم شن الهجوم. ولا يختلف الأمر كثيرا في أبعاده الجيوسياسية، حيث تؤكد الحقائق على ارض الواقع، بتراجع او انحسار دور أمريكا في إدارة الأزمات في العالم، وتزايد تأثير روسيا، منفذاً المبدأ الآنف الذكر لملأ الفراغ الحاصل. وقد تحولت أمريكا، في ظل إدارة الرئيس أوباما، من مبدأ إحراز النصر من كل بد، إلى مبدأ الخروج من كل بد، الذي يتجلى في الانسحاب المتسرع من العراق وأفغانستان، بعد الإطاحة بأنظمتها الشمولية القمعية المستبدة، بعد ان أحدَث الانسحاب هناك حالة من الفوضى الدموية الدامية، التي انتشرت فيما بعد في سوريا، ولكن ليس بسبب التدخل، وانما بسبب رفضه.


 وقد ساعد هذا الوضع في نضوج عوامل نشوء وصعود تنظيم داعش الإرهابى وهجومه المروع على اقليم كُردستان ومدينة الموصل واحتلالها في يونيو/حزيران من عام 2014. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الفراغ الحاصل، الذي يستغله قوى التطرف والإرهاب في المنطقة.
على هذه الخلفية، جاء التدخل الروسي السافر في أتون الحرب الأهلية في سوريا. فقد أعلن پوتين في أول ظهور له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر/أيلول في نيويورك، بعد غياب دام عشرة سنوات، أعلن نفسه زعيما جديدا يخوض حرب عالمية ضد الإرهاب. ولم يتردد كثيرا، كما فعل أوباما، بل اعطى أوامره بعد ذلك بيومين فقط، بالبدء بتنفيذ ضربات جوية في سوريا! وبغض النظر ضد من تتم توجيه تلك الضربات، السؤال الأكبر هو ما إذا كان تدخل موسكو المباشر في النزاع، سيساهم في وضع حد للحرب الاهلية هناك، ام سوف يزيد الامور تعقيدا ويفاقم قضية الإرهاب والتطرف أكثر تعقيدا.
لو تمعنا في قراءة المنطق السياسي لمواقف أوباما و پوتين، يتبين أن أسباب تفاقم الأزمة السورية تكمن في التنافس الهدّام ما بينهما. فكلاهما يسعيان الى إدارة الصراع وفق ما تقتضيه مصالحهما الحيوية وليس حله، ويتشاطران رُؤية مشتركة تتلخص في عدم السماح بسقوط الطاغية بشار، بل محاربة داعش بصورة لا تلحق الأذى بنظامه الدموي! وهما يستغلان داعش هذا "العدو الغامض" للجميع، والخليط، الذي انتجته وكالات الاستخبارات العالمية، كأداة لبسط النفوذ والهيمنة على المنطقة.
اين تكمن مصلحة روسيا العميقة في مساندة هذا النظام الفاقد للشرعية؟ من الواضح أن پوتين يسعى الى إحياء سياسة القطب الآخر، التي فقدتها بلاده في عام 1991، وهو يدرك تماما إن القطب المنافس ساهم من خلال البوابة الأفغانية في إنهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي ويحاول الآن إعادته لتفكيك الاتحاد الروسي. ويرى پوتين وخاصة بعد تفاقم الأزمة المالية العالمية، بنضوج اللحظة التاريخية المناسبة، ومن خلال إستغلال الاوضاع في سوريا، بالعودة إلى بَعْث الحياة في سياسة القطبية الثنائية. وهنا بالذات تكمن مصلحة روسيا الكبرى، والقضية السورية ليست إلا جزءا صغيرا في مخطط پوتين الكبير. فهو يسعى من وراء ذلك الى تحقيق عدة أهداف أبرزها، الخروج من العزلة الدولية بعد قرار ضم جزيرة القرم، وحرف الانتباه عن دعمه للانفصاليين في شرق أوكرانيا، وإعلان بداية الوجود الروسي في الشرق الأوسط، وكذلك عرض وإظهار قوة روسيا العسكرية.
يقابل هذا الحزم الپوتيني، تردد أوبامي، والذي ظهر آثاره مع بدايات الأزمة السورية، والتي بدأت على شكل إنتفاضة سلمية. فاختطفتها الفصائل الإسلامية المتطرفة وأهملتها أمريكا، مصرة على ضرورة إيجاد حل سياسي ومعاقبة النظام، على النقيض من مواقفها من الإنتفاضات الاخرى التي كانت تدعمها، كما فعلت في ليبيا مثلا! ولو كانت أمريكا جادة بإسقاط نظام بشار كما فعلته مع صدام حسين سابقاً، لنفذه بغض النظر عن دعم الروس له. وقد تضاربت تصريحات إدارة أوباما بشأن شرعية النظام في سوريا، بل ومصير رأس النظام نفسه. فقد صرح أوباما في أغسطس/آب عام 2011 "يجب على الاسد التنحي عن السلطة". بعد مرور سنة، إثر قصف الغوطة بالسلاح الكيماوي، في أغسطس/آب عام 2012 حذَّر أوباما بما معناه، من أن أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا يشكل خطا أحمر لإدارته، وستكون له عواقب وخيمة وستغير كل الحسابات. بعد هذه التصريحات عاد النظام واستخدم السلاح الكيماوي مجددا، ولم يأتي الرد، الذي توعد به أوباما لردع طاغية دمشق، بل تراجع عن خطته بشن الضربة الوشيكة وتخلى عنها إثر إقتراح روسي ينص على تدمير الأسلحة الكيميائية السورية.
بعد كل هذه المجازر التي تعرض لها شعب سوريا ومقتل وفقدان أكثر من 600 ألف شخص وتدمير البنى التحتية للمدن والبلدات السورية وتشريد اكثر من نصف سكانها واستخدام الاسلحة الكيمياوية، لم يجد أوباما مبررا إنسانيا أو أخلاقيا للتدخل! وقد ساهم هذا التلكؤ الأمريكي الى درجة بعيدة في تمادي النظام وتقوية ربيباته الجماعات الإرهابية أمثال داعش داخل سوريا والعراق على حد سواء.
ويمكن اختصار سياسة أوباما في جملة واحدة "انعدام خطة واضحة المعالم والإكتفاء بلزوم الصمت"، الامر الذي يعزز الإحساس بارتباك إدارته. وقد لخص جون ماكين رؤيته لهذه الحالة بالقول "أن هذه الإدارة أثارت الحيرة بين أصدقائنا، وشجعت أعداءنا، وأستبدلت المجازفة بالتحرك بمخاطر عدم التحرك". أوباما يرفض في الوقت الحاضر، القيام بأي تدخل عسكري فى الأزمة السورية ولا يعتبره خيارا واقعيا، بحجة أن أي تدخل من هذا القبيل، بالإضافة الى تكلفته الباهظة، سيكون له تداعيات خطيرة على أمن وإستقرار المنطقة. ويشير في الوقت ذاته الى انه في حال تمكن أمريكا من تغيير التوازن العسكري في سوريا، فهي لن تكون قادرة على حل المشاكل الدينية والقبلية التاريخية التي تغذي النزاع. لذا يعتقد بإستحالة فرض حل عسكري في سوريا مذكرا بأن أمريكا عجزت عن ذلك في العراق كما عجزت عنه روسيا في افغانستان من قبل. وتدرك الإدارة الأمريكية بأن القضاء على نظام بشار قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وإمكانية سيطرة جماعات إسلامية على المناطق المحاذية لإسرائيل وما يمثل من خطر على أمنها. وقد يدفع بإيران وحزب الله بالقيام بعمل ما، يؤدي إلى إندلاع حرب إقليمية شاملة. ومن هنا فأن مصلحة أمريكا تقتضي أن يبقى الوضع كما هو عليه.
في سياق هذا الإطار، مابين تردد أوباما وحزم پوتين، تتلاشى طموحات شعوب ومكونات سوريا وتتحول إلى أحلام أمام سلطة وجبروت مصالح بلديهما. ما لم يفهماه الرجلين بعد، أن الناس سئمت حياة العبودية وتسلط الطغاة على مقاليد الحكم في البلاد، ويريدون العيش بحرية وكرامة أسوة بشعوب العالم المتحضر.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات