القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 370 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: تُركيا التي يجب ألا تهزَم

 
الثلاثاء 28 تشرين الاول 2014


ابراهيم محمود

" لست ضد آلهة الجمهور، بل ضد فكرة الجمهور عن الآلهة "
سقراط

ليس المهم أن تقول ما تريد قوله عن الآخر باعتباره عدوك أو خصمك، أو لا يفكر على طريقتك ويعرفك عن قرب، بقدر ما يهم أن تعرف ما يقوله الآخر عن نفسه من جهة، وما يحاول إثارته وتنسيبه إليك وتثبيته حولك من جهة ثانية.
ولعل المشكل الأكبر في علاقة الكرد عموماً، والمعنيين بالشأن الثقافي والسياسي في الواجهة" وخصوصاً الأخير "، يتمثل في جانب الاستهتار  أو عدم الاهتمام بما يردده الآخر عن نفسه وعن الآخر: الكردي، وما الذي يشجعه على ذلك بمزيد من الدهاء.


والمتابع لأنشطة  أحمد داود أوغلو " رئيس الحكومة التركية حالياً "، والذي مارس مهام حزبية " فهو من حزب العدالة والتنمية " وسياسية ودبلوماسية مختلفة، وأكاديمي بالمقابل، يلاحظ ذلك الهدوء فيما يصرّح به، والضبط النفسي ظاهراً، سوى أن القضايا التي يتوقف عندها، وينطلق من موقف حكومته كتركي يظهره  متشدداً في المصميم، بقدر ما يعرّف به حريصاً كل الحرص على وحدة تركيا كما تقتضي السياسة التركية في المجمل منذ نشوء الجمهورية التركية " 1923 ".
إن قراءة كتابه ( العمق الاستراتيجي : موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية – ترجمة : محمد جابر ثلجي وطارق عبدالجليل- مراجعة: بشير نافع وبرهان كوروغلو، منشورات الدار العربية للعلوم، بيروت، 2010، وفي 646ص من القطع الكبير، وقد نِشر بالتركية سنة 2001، سوى أن ثمة ملحقاً يتعلق بالفترة التالية على هذا التأريخ )، تعرّفنا عن قرب على ملخص رئيس للسياسة التركية تجاه ما تقوله عن نفسها من خلال ساستها بالقول والفعل، كدولة بين قارتين، وعبرالسياسة الخارجية وخصوصاً في أعقاب حرب الخليج الثانية، وبعد احتلال أميركا للعراق.
من الصعب جداً، تقديم الأفكار الكثيرة التي أودعها أوغلو كتابه المتميز: من الناحية الثقافية، بغض النظر عن محتواه، وغزارة هذه الأفكار، وحتى جانب المتعة فيها نظراً لتنوعها وسهولة استيعابها لمن يمتلك أرضية معرفية نسبية طبعاً، وهي تترجم المقدرة اللافتة للمؤلف على التفاعل مع المستجدات.
فالمحتويات تتألف إلى جانب المقدمة للطبعة العربية والتقديم والتمهيد، من ثلاثة أجزاء، والثالث هو الأكبر" بعد ص 247 "، ويواجه القارىء العديد من الفصول" ثلاثة للأول، أربعة للثاني، خمسة للثالث "، إلى جانب عشرات العناوين الصغيرة، وهي تغطي قرابة ست صفحات، إلى جانب الملحق، وهو بذاته يتطلب وقفة كافية لمعرفة المستجد فيه .
يقول المؤلف ( إن الحس الإنساني بالانتماء إلى القضايا الكونية والاهتمام بها، يستوجب الوعي العميق بهذا الوجود .ص15 )، ولا بد أن هذا الحس يتجاوب مع سياسة هي التي ترسم مساره، وليس باعتباره مجرد حساً وكفى.
حديث المؤلف عن الإقليم يعني تركيا بالذات( فهو مفهوم يعبّر عن المناطق التي تملك تكاملاً استراتيجياً داخلياً، وتتقاطع فيها عدة خطوط جيوسياسية وجيو ثقافية وجيو اقتصادية. ص 40 )، ولا بد أن هذا التحديد بالمقابل، رغم أنه عام، ولكنه خاص إزاء تركيا، لأن هذا الثالوث يندرج ليشمل تركيا وما تكونه وما يجب أن تبقى عليه في الواجهة الدولية وتحديداً راهناً .
أوغلو، مثلاً، لا ينسى أن يركز على عملية القوة المتمثلة في الدفاع، كما تعرف بها تركيا( إن صناعة الدفاع لأي دولة هي نتيجة طبيعية لمعادلة القوة لتلك الدولة، وهي أحد مقاييسها الهامة كذلك.ص 59 ) .
هذه القوة الدفاعية هي حصيلة مكوناتها الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تكون واحدة: تركية بالمجمل، لذا فإنه حين يقول ( تمتلك تركيا ميراثاً تاريخياً متعدد الاتجاهات، يحمل في داخله تراكم التجربة السياسية التاريخية القديمة، الإضافة إلى عناصر الحداثة الأساسية والأكثر تشابكاً في المرحلة المعاصرة.ص 117 ).
هذه القوة الدفاعية موصولة بالجغرافيا التي تتميز بها الدولة، ومن كان اقتباسه قولاً للفرنسي فرناند بروديل ( إن الخرائط هي التي تروي القصة الحقيقية. ص 121 )، والواقع كذلك، إنما تلك القصة المدبلجة بالتركية وعلى الطريقة التركية حيث كل شيء لصالحها.
ولنرى الوصل بين التاريخ ومنذ أيام اليونان، وبلاد مابين النهرين والحضور العثماني مداميك لتعزيز فعل القوة المسماة، ولأن الوضع كذلك، فثمة التنبيه المستمر إلى الخوف من تصدع جدار القوة هذا، والوضع الإقليمي محسوب، والكرد ضمناً ، وهو بذلك يضع خارطة سياسية في ضوء المعاش على الأرض تماماً ( إن بقاء علاقات تركيا مع جيرانها متوترة بشكل دائم، بحجة الخوف من احتمال حدوث حرب أهلية بسبب الوضع في شمال العراق، أو بحجج الخوف من المؤثرات الإيديولوجية كما هو الحال في العلاقات مع إيران... إنما يهدف إلى تقييد تركيا ضمن حدودها والسيطرة عليها بشكل غير مباشر.ص172).
وما ذهابه إلى أوربا والتي تحتل مكانة بارزة في كتابه إلى جانب أميركا، ومن ثم آسيا ، إلا لتأكيد أوربيتها دون نسيان آسيويتها، لتجمع بين خصلتين استثنائيتين ( تعتبر أوروبا منطقة برية قريبة مهمة بالنسبة لتركيا من الناحية الجغرافية، كما من ناحية العمق التاريخي، وتعتبر تركيا جزءاً طبيعياً من القارة الوروبية من جهة المقاييس الجغرافية والتاريخية.ص225 ) .
للتأكيد على هذه الجغرافية التي تحمل إمضاءة سياسية ماكرة في الصميم، ثمة ما يمكن التشديد عليه، وهو إبراز جانب العطف الملحوظ تجاه مأساة التطهير العرقي في كوسوفو، كما لو أن عمليات القتل الجماعي لشعوب بالكامل : الأرمن، والكورد حتى الآن، ومنذ عشرات العقود الزمنية، لا تحسَب ضمن الدائرة هذه ( إن عمليات القتل الجماعي والتطهير العرقي التي وقعت في كوسوفو، والعملية العسكرية التي أعقبتها، أعادت طرح موضوع الاستراتيجية التركية في البلقان من جديد.ص 356 ) .
سياسة الاسنفجة التي تتميز بها تركيا بصدد امتصاص الصدمات والقوة الحديدية لحظة الشعور، علامة فارقة لديها، لأن ثمة ما يبقيها في الواجهة، دولة مرغوبة بحساباتها الجغرافية والديموغرافية والاثنية الخاصة( تعد منطقة شرق المتوسط ثاني مناطق الالتقاء المهمة بالنسبة لتركيا، باعتبارها الحزام الأدنى لمحاور القوقاز- الشرق الأوسط- البلقان ..ص435 )، تلك هي أيضاً منطقة نفوذ تجمع بين الديني والاثني : الطوراني والتاريخي الداعم لذلك .
سوى أن المسألة الكردية، كما يسميها هي المشكلة المؤرقة له ولساسة الأتراك، كما يمضي في ذلك مطولاً، من زاوية سيادية تعني مصلحة تركيا القومية العليا" بدءاً من ص 473-490 "، ولا بد أن شعوراً منه بخطورة الحضور الكردي هو الذي حفزه على القول التالي ( إن المنتظر من تركيا أن تنتهج سياسة تجاه المسالأة الكردية هي الأكثر ديمومة وهدوءاً واحتواء في الوقت نفسه.ص 478 ) .
أوغلو ومن خلال سردية تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية وجغرافية، يسعى جاهداً إلى تبيان مأثرة تركيا في القرن العشريني وتالياً ، أي صوب المستقبل، وهي في تنوع علاقاتها مع مختلف القارات والدول والمشاكل القائمة، كما لو أن المستجد إثر الحرب الباردة يهيئها لأن تكون قوة مرهوبة الجانب، وهذا ما يبين سبب تأكيده على وجوب تعزيز سلوكيات ديمقراطية داخلها بالقدر الذي يحسّن من صورتها على أكثر من صعيد وتالياً ( إن جهود تركيا كدولة، ومؤسسات، ومؤسسات مجتمع مدني، ومثقفين، ستخدم جميعها هدفاً مشتركاً. ويمثل أداء الخارجية التركية، من تشيلي إلى إندونيسيا ومن سوريا إلى روسيا، ومن كندا إلى اليابان، في مجموعه أداء جماعياً، يخدم هدفاً واحداً. والخلاصة، أن هذا الأداء المتنوع والنشط سيجعل من تركيا وهي تمضي نحو عام 2023 لاعباً دولياً .ص644 ) .
تلك هي الكلمة التي جاءت في نهاية الملحق، ولعلها استشرافية، ولا أدري كيف هو شعور أوغلو راهناً، وهو رئيس حكومة، إزاء المتغيرات العاصفة، وتجاه الوضع الكردي الذي يقلقه أشد القلق، وما يخص داعش الإرهاب كأحد الأساليب الأكثر مكراً في الداخل وسفوراً في الخارج، وهو الامتحان الصعب الذي قد يعرض  الرجل الذي كان مريضاً ذات يوماً، مصاباً بذات المرض، ولا يجد عقاراً نافعاً، حيث الظروف مختلفة، حيث السؤال الصعب الذي لا يجد جواباً يطمئنه ويرضي من حوله دولياً، كما هو عنوان كتابه، والسؤال هو: الكرد، وسؤال الاستفهام الأحدث في قائمة الأسئلة التاريخية: كوباني، وتحركات أنشطة إقليم كردستان المزعجة لدولته ونظيراتها في الجوار الحدودي .
ليست ختاماً، إنما دعوة إلى قراءة الكتابة بتأن، لمعرفة نوعية تفكير الآخر، وكيف يفكر في المشترك بينه وبين سواه هنا وهناك، وما تقديمي السريع للكتاب، إلا تعبيراً عن هذا الاهتمام في ضوء الجاري !

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.