القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 535 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: ثلاثية العنقاء والرماد2-3

 
الأحد 10 حزيران 2012


إبراهيم اليوسف

2-قّبرّة القبيرة
  يبدو أن النظام الدموي في سوريا، ما أن ينتهي أمنه وشبيحته من ارتكاب مجزرة بحق شعبه، حتى يبدأ بارتكاب واحدة، أخرى، أو أكثر، سواها، حيث أنه في الوقت الذي كانت دموع أطهار العالم وأحراره، متيبسة في حجرات أعينهم، والغصَّات متشظية في الحلوق، والأنات محتبسة في الصدور، والحشرجات تمدُّ حبالها إلى الأرواح، وهي تهزها، في حضرة الدماء المسالة من جراحات الأبرياء الحوليين، من الضحايا،  ذكوراً وإناثاً، وبمختلف الأعمار، مادامت شهوة القاتل واحدة، في حضرة الآدمي، طفلاً كان أو عجوزاً، ومادام أنه سيزيد من إيقاع  خطاف الخط البياني للضحايا، كي يحافظ على ارتفاعه، وهو ينوس بين لحظتي الحاضر، والبدء، وإن تعددت ساحات المسلخ البشري، واختلفت أسماء المدفوعين إلى لجة الوليمة الدموية، عبر الوجبات المفتوحة، على امتداد الأربع والعشرين ساعة، من دورة اليوم الزمانية، كي نكون أمام اسم جديد هو"القبير".


و مجزرة القبيرة، تضع نفسها، تراتبياً، في عداد مجازرسوريا الأكثر صدمة للعالم، وإن كانت الحولة قد سبقتها، في تموضعها بأيام معدودات، وجاءت كي يقول عبرها القاتل للعالم: من قال لكم، أن وعيد بعض الموهومين، عربياً، وعالمياً، سواء انتموا إلى الجامعة العربية، أو مجلس الأمن، عبر بيانات ليس فيها ماهو جدي"غير سعر الحبر والورق اللذين استهلكتهما "، لأن مانراه محرَّماً على المواطن السوري، من حرية، وديمقراطية، وعدل، وأمان، لابد أن يظل كما هو، وإن كرسي الحكم، الذي تقدم من أجله الأضحيات، يظل في عرفنا، الأغلى، من دماء سكان الكرة الأرضية، كاملة.
وقرية القبير التي تضم حوالي ثمانية عشر منزلاً، فقط، هدمت أكثرمنازل ساكنيها، فوق روس أصحابها، من قبيل "شبيحة النظام"، وتم ذبح كل من كان في تلك القرية، الوديعة، الآمنة، ولم ينج منها إلا من هرب، وكان عددهم حوالي ثلاثة عشر شخصاً، ليستشهد ذبحاً على أيدي القتلة المجرمين، حوالي مئة وأربعين شخصاً، خمسون شخصاً منهم من الأطفال والنساء، وهي تفوق مجزرة الحولة، الموصوفة،  وحشية وبربرية، من قبل جمهرات السفاحين المنفذين بأمرة النظام، كي تزول-وإلى الأبد-من أجل عبارة -إلى الأبد- أسر كاملة، قضى أبناؤها، ذبحاً، ونحراً، وقتلاً، أو موتاً تحت أنقاض المنازل المهدمة، المسوّاة بالأرض..!
وإذا كان وفد المراقبين الدوليين، قد وصل إلى القرية، للوقوف دقيقة صمت  مجازي، على أرواح الضحايا، الذين تفوح رائحة موتهم في كل مكان، وهي تختلط برائحة أحلام هؤلاء البشر الآمنين، ممن ليس بينهم، من يفكر بالجلوس على كرسي الحاكم، الأهوج، بل ولابإدارة مزرعة، أو زريبة، أو مخفر، فإن في في تتبع لهاث أعضاء الوفد،  دون ورد، أوسورة فاتحة، وهم يسيرون تحت حماية رجال الأمن، الذين يريدون بوصلة شهاداتهم، كما خطواتهم، صوب "معرزراف"*، الجارة، أو الجهة الأخرى من المجزرة، اسم المكان الذي يذكر بترجمته الكردية "الأفعى الرفيعة"، والمعر، المار، mar ، الأفعى، قدام" zirav ، الذي يذكربقاتل، أفعواني، في هيئة الوصف ذاته، كي يتأكدوامن أرقام الموتى، في نومهم "الأبدي"،هناك، كما أن ترجمة القبير، قد تمت، في تمهيد دقيق، على إيقاع حراب الحقد، ورصاصه، وحباله، ومنجنيقاته العصرية.
رحى المجزرة السورية، لاتتوقف البتة، وهي باتت تبز خلال خمسة عشر شهراً، من عمر الثورة، عدد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين من أبناء شعبها، لأن للمجزرة السورية خريطتها، وثمة وقائع كثيرة، لما توثق، بل أن المجزرة تحيل إلى أختها، ولعل آخر مجزرة معلن عنها، اليوم، وأنا أستذكر قبرة القبير، وهي تغمض عينيها، على صورة أخوتها، وأمها، وأبيها، وهم ينحرون، فإن ثمَّة خيال منقذ غائب،  كان يشارك هؤلاء بؤبؤي عينيها، انتظرتهم كي يصلوا قبل عدسة المصور الصحفي، المكره، على المهنة، في ظل زحمة جوازات الحرب المفتوحة اللعينة على الآدميين، مادام أن البطاقة  الشخصية، الواقعية، أو الافتراضية، لهم، جريحة الحبر، في حروف النعت السوري المطلوب، ميتاً، للقصر الجمهوري.

3-سوق الحميدية يكتب اسمه:
بعيداً، عن التناول من منظور المكان الفني، أو الجغرافي، لسوق الحميدية الدمشقي،وهو يصنع مناقبه، على امتداد قرون،بمناراته، وبشاشة أهله التجار، يقدمون العطور لزبنهم، حديثاً منكسراً، منذ عقود طويلة، رامين نظراتهم على ضريح الفاتح الكردي صلاح الدين الأيوبي، راقداً في بهو الجامع الأموي، تدل عليه أطيار الحمام، واليمام، يترجم رجع أنينه، وهو يصرخ من تحت ترابه:وستعودون، أيها الطغاة، لم أغادر مسقط رأسي في"       " في كردستان، إلا لأمحو أثر كل ظلم، في أي مكان حللت فيه، وكان ينتمي إلى خريطة استظهرتها، عن ظهر قلب، مادمت قد تركت خريطتي، دون أن أعلم أنه ستتناهبها الخرائط المزورة. يستذكر كلاماً كان رجل الأمن، يفرض ترداده، ويدونه، باسم أبناء المكان، على اللافتة المعلقة، زوراً، للإشادة بظل مزور،و زعيم مزور.
أبواب المكان الحميدي، التي عودت أرتال المارة، المتناسلة، في الوقت مابين أول الضوء وآخره، وباتت تدفع مهلتها، في ظل الضوء الاصطناعي، تبقى مفتوحة، على الوجوه المتبدلة، يوماً وراء آخر، وكأن سكان سوريا، وسواح العالم،  يأتونها، وفق جداول مواعدأزلية، يتأملون التقاء التاريخ بالآن،كي يكون ذلك قصيدة شاعر،أو لوحة رسام، أوموال مغن شعبي، أو نثار السرد، موزعاً وفق هندسة حكواتي، ذاب في سلالات المكان، لتكون في حضرة الحوار، والإصغاء، في أجمل شكليهما طراً. هاتيك الأبواب، خذلت الضوء، في مواعدها الأسبوعية، مادام أن أصحابها يرددون بأس صناع الحضارة، البواسل، تاركين لهم عنواناً ملكياً، في دربة الكردي، قربهم، يتبركون برائحة بركاته، مدوناً أول الطهر، في مواجهة العفونة السياحية، متسربة في الجهات الأربع، كي يسمع صدى صوته الواثق: اطمئنوا، هكذا تصنعون تاريخكم المجيد، في دورة كنت أحد شهودها.
يمرُّ رجل الأمن في رداء الخوف، ينقر على أرقام هاتفه الفاخر المحمول-وهو إما مسروق أو رشوة صغير- يعلم سيده أن المكان قفر، وكل شيء فيه تغير، حتى الأطيار، باتت تلوذ بأصوات غريبة من هديل وزقزقة ونفير، يمدُّ يده اليمنى إلى جهة الخاصرة، يشهر مسدسه، يصوب على القفل الحديدي، لأقرب محل إليه، بيدأن الرصاصات الخائفة تخذله، يشيرإلى  ظلال مشابهة له، تسير بخطا مرتبكة، وهم يحملون أسلحتهم الخفيفة، المختلفة، أن يجربوا فقه القنص في الأقفال الشقيقة، كي ينتقل القنص نفسه، إلى خزائن الباعة الصغيرة، يتناهبون ما فيها من مال، ويحملوا ماخفَّ وزنه، وغلا ثمنه، سرعان تأتي الأوامر، افعلوا ذلك في أمكنة أخرى، حيث هنا ثمة كاميرات تصور حتى الأنفاس.!.
واحد، واحد، واحد       الدم السوري واحد....!
الشبيحة، رجال الأمن، المتواطئون على سفرة الدم، كل من جهته، يلتقط توجيهات أصحاب الظلال الاصطناعية، في أن استمرار إغلاق"السوق" يعني إغلاق رئة المدينة كلها، بل إنه ليعني أننا نلفظ الأنفاس الأخيرة، بعد أن استعرضنا صور صاحب الظل الاصطناعي الأعلى، وهو يوزِّع زيف الهيبة، على مكان لايعرف إلا مقام" بابا عمرو" مثلاً،ليوحي أن ما قيل عن"سقوط الثورة" لم يكن فرضية قناص أمني، ولانبوءة قرصان روسي، بل إنجازاً هو"قاب قوسين" وأدنى، من سبطانة القاتل الرجيم.
المكان، في رائحة البخور،  وأصوات الآذان، وترانيم الكنائس، وهسيس الأشجار، بات يترجم أبجديته، إلى لغة أناسي  هذه المعالم: لا،ارحل، عاش، يسقط، سوريا، واحد، وغيرها، من المفردات التي تلتقطها سماعة مسجل السائح الخفي، عائداً لمدينته الثانية، يقرأ سورة ياسمينها، وزفرات نهرها المشلول، واعداً الأشجار برسالة الماء الأكيد، كي يمحو أثر الأصابع التي استباحت التفاصيل، في رزمة عقود من التيه والاستبداد، لتنهل الكائنات، سلسبيلها، الآمن:
-لنا موعد آخر، في إضراب مفتوح، ينداح، طبق خريطة سوريا، كي يعرف الطغاة، أن هذا المكان، لم يكن عبارة  عن مقطورة، تسير خلف قطارهم الوهمي، لأن قطار سوريا أكبر، إنه قطار تصنعه أرواح شهدائها، من عين ديوار وحتى درعا، مروراً بكل العنونات التي تستفز جبابرة الوهم..!


-آتون يا دمشق
آتون يا بردى
آتون ياميدان والقزاز
آتون يا مرجة..!
آتون يا كفرسوسة
آتون ياساحة العباسيين
آتون ياسوق الحميدية
آتون ياحي الكرد
آتون ياقابون، ونهرعيشة، وزورآفا، والهامة، والصالحية،  والمزة
ساحة الحجاز،
وبقية معجم المكان..!
آتون
وشيء واحد، سنفعله
 هو أن نعيد للأماكن أسماءها
ونقاوتها
بما يشبه
قلب السوري الأبيض.
9-6-2012
*لاعلم لي في أصل الكلمة، ربما كان آرامياً، أو سواه، وكتاب التاريخ المدرسي السوري أدرى..؟!

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 24


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.