القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 517 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: قاعدة البيانات الفيسبوكية

 
الخميس 19 ايار 2011


 إبراهيــم محمـــود
 
يعمل الفيسبوك وفق مبدأ: قاعدة بيانات خاصة. إنها الصورة الناطقة أكثر من الكلام المسموع! والخطورة الكبرى تتمثل في أن الفيسبوك هذا يتقدم أو يكاد يتقدم بمجتمع بديل عما هو قائم كلياً، عندما ينزع عما يتصل به طابع الحقيقة المعتبَرة. إذ لأول مرة في التاريخ نجد نزوحاً إلى هذا العالم المشهود له بالإثارة وخرق المحظور، العالم الذي يعايَن به ما ليس قابلاً: أهلاً للبقاء، وبالتالي فإن الفيسبوك يتبدى على النقيض مما يعرّف به: التواصل الاجتماعي. إنه مجتمع متعدد، موزَّع كما هو وضع الجزر المتناثرة في محيط مائي كبير: أوقيانوسه، مصاب بعدوى الصورة، يعيد الذين ينتمون إليه، ومن يهتمون به إلى نقطة غير مسبوقة فيما يجلوه: الصورة أولاً، الصورة أخيراً، فلا يعود المعنيُّ الفيسبوكي بحاجة إلى ترجمان.


 إنه هو نفسه حوار بالعين، ومن نوع خاص تماماً دون أن نلغي اللغة، ولكن اللافت هو الصورة التي تتحرك بكامل عدتها، الصورة: المشهد في التأكيد على وضع استباحي أو مريع، ليكون المقدَّم فيسبوكياً حاملاً صفة الإدانة له، ليكون المتابع الفيسبوكي مطَّلعاً على وضع غير آمن أو مثير ومحفّز على التساؤل عن عنف الجاري، وتتراجع اللغة إلى المرتبة الثانية حيث المرئي والمسموع يكادان يترجمان بجدارة حقيقة لا يراد لها أن تظهر إلى الملأ بالنسبة للقيمين على الوضع في المجتمع المعني.

ثمة إعلان حَرفي عن ضرورة لفسخ عقد فقد صلاحيته، كلما أظهرت الصورة عنفاً صادماً لبشر موزعين في أمصار وأقطار، حيث تتوحد الجغرافيا البشرية قاطبة، ويتجلى الفيسبوك حامل مشروع بدائلي ما عما هو قائم، أو يشدد على تغيير ما صار مادة له بقدر ما نتلمس في بنيانه الحداثي الحي نوعاً من شعار يكاد يترجَم دلالياً هكذا: يا فيسبوكيي العالم اتحدوا! إنها حالة من الثورة غير المنتظرة لأي موافقة جهوية لانتفاء وجود حدود معينة، حيث كل شيء يتم في غفلة غالباً، ربما على الضد تماماً مما يعاش واقعاً من قبل الذين يسوسون مجتمعا كاملاً!
هذه العودة المعتبَرة واللافتة إلى ما قبل برج بابل، من جهة أخذ العلم بما يجري في هذه البؤرة الباعثة على التوتر، أو الحاملة لقيمة جديرة ُّ خلفيتها الاجتماعية أو الأخلاقية، بؤرة تسمّي مجتمعها، وكأنها تمثّل " كرت نفير" وتستدعي تدخلاً عاجلاً لئلا نشهد ما هو أكثر منه، عودة تأخذ بنا إلى الأمام، إنها عودة مستقبلية، وكأنها تقول بأن ما يجري عبر الملتقط يجب تجاوزه إنما بإيجاد البديل ضماناً لحياة أوفر، أو حرصاً على المجتمع إذا أريد له الاستمرار الفعلي قيمياً.
إنها واقعاً، سلطة من لا سلطة فعلية لهم، سلطة تقاضي في موقع متحرك، مَن يمثّل سلطة دون أن يكون أهلاً لها، حيث يمكن مكاشفة ما يجري باسمه ومن يعمل بإيعاز منه، وفي هذا المجتمع القائم على المناظرة المنبثة من مواقع مختلفة، يصعب غضُّ النظر عن غواية المشاهد ومغامرة القائمين بها، وما فيها من بلبلة لنظام يعمل بمبدأ يحيل إليه كل نشاط متمثل في أفراد مجتمعه.
الفيسبوك في أس تشكيله تهديد سافر لنظام اعتاد العمل المركزي بعيداً عن المراقبة الذاتية لأشخاص اُعتبروا فاقدي أهلية المراقبة، بما أنهم غير معترَف بهم، غير مخولين بأي عمل وظيفي مسمَّى: رسمي أو دونه. إن الفيسبوك يستشرف بنا فيما يقدمه لائحة بالشروخ الاجتماعية والسياسية في المجتمع الذي يكون " السر" المهني أو الوظيفي الخاص أساس بقائه سلطوياً.
إن قاعدة البيانات الفيسبوكية، وهي متنقلة ، ورغم ذلك يسهل الرجوع إليها، تمثّل وضعاً إنذارياً للذين تعنيهم بمحتوياتها، وما التغيرات التي شهدها العالم العربي كنموذج، إلا الدليل على ذلك.
إن الصورة الناطقة وهي في بنيانها، تمثل" السلاح" المقاوم، في مواجهة الكلمة التي تتطلب تخيل الصورة، أو أن هذه تأتي لاحقاً، كما هو المشهود له في قنوات البث الفضائية، وأوجه الصراع الدائرة بين الملتقط والمبثوث فيسبوكياً، وهو لا يخفي خفته وحتى الخشية التي ينطوي عليها: تذبذب المشهد، عدم وضوحه، سرعته، قصر مدته...الخ، وما يكونه المجتمع الذي يعايَن فيسبوكياً، وما يقوله الصراع هذا، باعتباره دعوى إلى التحول جزئياً أو كلياً بحسب الخلل.
في الحالة السورية كما هو زخم المقدَّم فيسبوكياً، ومنذ أواسط آذار" مارس"2011، نجد اضطراداً في المشهد الفيسبوكي وتنامي لغته الحسية، حيث إن الأكشنية الفاعلة في اللغة هذه لا صلة لها بما هو هوليوودي، إنما بما هو واقعي من جهة الفيسبوكيين، ولعل أصداء المبثوث هنا وهناك، وهي تحرج القيّمين على الوضع في الصميم، إنها أكشنية رغم اتهامها بالفبركة، كما هو فحوى" الدسيسة"، لا تخفي صداميتها لِما فيها من تشهير أو تعرية لوضع مطروح للتغير، بالطريقة التي لا تعود الأكشنية" المحلية" تلك وقد تسارعت وتيرتها، نظراً لتنامي العنف الدموي سورياً وبشكل متفاوت من جهة إلى أخرى، بذات الإيقاع إلى ما قبل الزمن السالف الذكر، إنها أكشنية تسمّي نظاماً عاماً وخاصاً، ومن يحرصون عليه، وتستدعي القيام بإجراءات اختفائها.
في الحالة السورية، وقد بلغت الحالة وضعها الكارثي كما هو المعاين، وكما هو الملاحَظ على صعيد ردود المواقف على أعلى مستوى دولياً، وردود الأفعال في الشارع المضطرب أشد الاضطراب والحدود الملتهبة بالمقابل، ثمة ناقوس خطر يدق، يستوجب النظر قاعدياً في قاعدة البيانات الفيسبوكية وقد برزت إلى الملأ أكثر فأكثر، إذ إن المعاين الدامي عبر مشاهد عنف مروعة، ولا أصدق تعبيراً ومبعثاً للرعب الحاصل من وجود دبابة في شارع هذه المدينة أو تلك، ولعل كل مدينة منذورة بدخولها إليها وهي في عتادها الحربي المدمر، معايَن لا يترك للأمان سبيلاً، بقدر ما  لا يجد لضرورة النظر الجدي في الجاري بديلاً، حيث الدولة كاملة باتت في مرمى المواجهة ولم يعد من استثناء للنظر فيما يجري، لأن المرئي مهما اختلف حول مدى طابع الفبركة فيه، لا يقلل من مساحة العنف الدامي والمنتشرة وما يتهدد الجميع دون استثناء، ولأن ما يُعلَم عنه من قتل واعتقال ومشاهد مسلحة في وضح النهار، يقرّبنا من حافة الهاوية وهي تتهدد مجتمعاً كاملاً. إن ذلك يتعلق برأس الهرم والعادي، غير أن المسئولية الأخلاقية وما آلت إليه الأوضاع، تسمّي أولي الأمر مباشرة وتقلل من مفهوم الزمن التفاوضي أو التحاوري، لأن العنف الذي حصد المئات المؤلفة، وألقى بالآلاف المؤلفة في غياهب المعتقلات، والكل الملاييني في معرض القتل أو الاعتقال، عنف معاش خارج الملتقَط الفيسبوكي الآن وخارج قاعدة بياناته التي لم يعد الفيسبوك نفسه قادراً على اختزانه. إن ما يسمى بالحل السحري لوضع مريع، يُستحضر هنا، وهو الحل الوحيد الممكن تأمله، ولكن كيف يتحقق ذلك وليس من إشارة إليه حتى الآن؟!


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات