القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 372 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: عن الشراكات الوطنيّة والحقوق القوميّة: الحال الكرديّة السوريّة نموذجاً.

 
الجمعة 12 تشرين الثاني 2010


هوشنك أوسي

في السياسة، إن تركتَ البوصلة منقادة لنواياك السحنة، فلن تقوى على التسويق لقضيّةٍ تؤمن بها، فضلاً عن عجزك الدفاع عنها. السياسة، لا تأخذ بالحقائق التاريخيّة، كمقدّاسات، ولا تتفاداها وتتعاطى معها كأوهام وخرافات أيضاً. الأصدقاء الحقيقيون لقضيّة ما، يفترض بهم القبول بحقائق هذه القضيّة كاملة، ثمّ يرون ما يمكن تحقيقها، وما لا يمكن. وتأسيساً على ذلك، وضمن المندمج الوطني السوري المأمول والمنشود، لا ينطبق وصف الصديق للقضيّة الكرديّة على الشريك العربي أو الآثوري، بل هم صحابها الوطني. ووصف الصديق للقضيّة الكرديّة ينطبق على العربي، من خارج سورية والعراق، وعلى الصينيّ أو الهندي أو الأمريكي أو الجنوب أفريقي...، ولا ينطبق على الفارسي أو التركي، داخل تركيا وايران أيضاً.


على اعتبار أن قضايا الوطن، حكماً هي قضايا المواطن، بصرف النظر عن الانتماء القومي والعرقي والديني والمذهبي، في هذا الوطن. وتبنّي العربي السوري أو العراقي، أو الفارسي أو التركي، للقضيّة الكرديّة، ليس منّة أو هبة، بل واجب يمليه الهمّ والغمّ الوطني المشترك، والمصير الوطني المشترك، ضمن هذه البلدان. وهذا لا يعني البتّة أننا نريد الشريك العربيّ، كرديّاً أكثر من الكرد، كما ذهب الأخ حسين عيسو، في معرض ردّه على كاتب هذه السطور، وعلى آخرين. وينحسب الأمر على الكرديّ أيضاً، فالقضيّة الآثوريّة، إن جاز التعبير، هي قضيّة المواطن الكردي، بقدر ما القضيّة الكرديّة هي قضيّته. والقضيّة الأرمنيّة في تركيا هي قضيّة المواطن الكردي والتركي على حدّ سواء. هكذا أفهم التلاحم والتواصل والشراكة الوطنيّة الحقيقيّة، في دولة الحقّ والعدالة والتصالح والتسامح والمؤسسات. ومن المؤسف، أن أنيط مدى تبنّي الأخ العربي لقضيّتي، بمدى تنازلي له عن حقائق هويّتي الوطنيّة السوريّة، وأتجنّب تذكيره بحقائق التاريخ والجغرافيا!. ذلك أن القضايا بأصحابها الذين يؤمنون بها، وكيفيّة طرحهم لها، وكيفيّة معاجلتهم لها. وصحيح أن العربي السوري، هو الآخر الوطني، الشريك الأصيل لي في الوطن، إلاّ أن الوطنيّة الحقّة والحرّة تملي عليه قبولي، بما أنا عليه من حقائق، أثناء الرغبة الجامحة للانتماء لهذا الوطن. وتوضيحاً أكثر، أنا كرديّ سوري، ومن كردستان سورية، التي هي غرب كردستان، وأريد العيش المشترك مع باقي مكوّنات الشعب السوري، تحت سقف الوطن السوري!. فأين مكمن الخلل والعلّة في هذا؟!. ثم الأكثر توضيحاً، برأيي أن مفهوم الشريك، في مسألة أو أمر ما، يعني بالضرورة أنه صاحب هذه المسألة أو الأمر. وهنا، تبرز النسبيّة في مدى تبنّي هذه المسألة والأمر. فالشريك في شركة اقتصاديّة ما، هو صاحبها، بنسبة أسهمه فيها. والشريك في الوطن، هو صاحب كلّ قضاياه القوميّة.
الوطن السوري، هو شركة، اختاره التاريخ والجغرافيا لنا، نحن الكرد والعرب والآثوريين والسريانيين والأرمن والتركمان والشركس...، والمسيحيين والمسلمين، والارثوذوكس والكاثوليك والبروتستنت، والسنّة والشيعة، والموّحدين (الدروز) والاسماعليين والعلويين والمرشيديين...، وقضيّة أيّ مكوّن من مكوّنات النسيج الاجتماعي، هي قضيّة كل المكوّنات الأخرى. وبالتالي، لا تتعارض إحقاق الحقوق القوميّة لأيّ مكوّن السوري، مع مصالح المكوّنات الأخرى، إذ كان الحاضنة الأمّ لكلّ المكوّنات هو الوطن، والنظام الجمهوري، الديمقراطي، الوطني، المدني. وبل يمكن القول: إن القضايا القوميّة، هي المحكّ لأيّ وعي وطني وأيّ مشروع وطني _ دولتي، موجود أو افتراضي، مأمؤل ومنشود. وبالتالي، بقدر ما كانت الحقوق والحقائق القوميّة منتقصة، لأيّ مكوّن من مكوّنات مجتمع متنوّع، دولة تزعم أنها مدنيّة ووطنيّة، فأن وطنيّة باقي المكوّنات منتقصة. وعليه، فأن وطنيّة هذه الدولة وديمقراطيّتها أيضاً منتقصة ومشكوك فيها. فهل يرى شركائي في الوطن، وجهة نظري في القضايا القوميّة ومدى انسجامها وتناغمها وتغزيزها للوحدة الوطنيّة في أيّة دولة وطنيّة حقيقيّة, نتفق على قيامها مستقبلاً؟.
ولئن "قوّة الحقّ هي درئة الشعب الضعيف"، كما عنون الأخ عيسو مقاله الأخير، فلا مناص أم نخب هذا الشعب، من طرح القضيّة كما هي، وإقناع الصديق، بأنّ حقائق هذه القضيّة تملي كذا وكذا، وتفترض كذا وكذا، وفق الشرائع السماويّة والقوانين الوضعيّة، لكنها، أيّ النخب، وحرصاً على الوطن المشترك، والتاريخ والمصير المشترك، والأمل في مستقبل مشترك، تتخلّى عن هذا الحقّ، وهذا الحقّ، لكن لا ينبغي عليها، أن تتخلّى عن هذه الحقيقة وتلك, في مسعى كسب ودّ أو تأييد هذا المعارض أو ذاك!. وإذا كان يحقّ للناشط السياسي، الميل إلى المناورة والمداورة في فترات معيّنة، عبر التغاطي عن بعض الحقائق أيضاً، إلى الجانب التفريض ببعض الحقوق، فما بال المثقف، نراه، متهاوناً ومتهافتاً على عدم الأخذ بحقائقه التاريخيّة والحضاريّة، لكونها "ليس من مصلحة أحد"؟!. إذ لا يوجد في أيدي الشعوب الضعيفة من سلاح تدافع به عن نفسها، عن كيانها ووجودها وهويّتها، إلاّ قوّة حقّها في مواجهة حقّ القوة، الذي تمارسه الطغم الاستبداديّة الحاكمة. وبالتالي، إن كنتَ مشككاً في حقائقك، ومنتقداً لها، فعليك بالدليل والتحليل!. فبديهي أن المشكك في حقيقة ما، سيكون عاجزاً عن الدفاع عنها، وإقناع الآخرين بها.
حين نناقش أفكار وسلوكيّات الشريك الوطني أثناء تعاطيه مع قضيّتنا وحقائقنا وحقوقنا، هذا لا يعني البتّة أننا نريد تحويله من صديق إلى عدو!. أو أننا من هواة البحث عن أعداء جدد لقضيتنا!. لأن شريكي في الوطن، هو صاحب قضيتي أيضاً، كما أسلفنا. والشراكات لا تبتنى بين الأعداء، بل بين الأصحاب والأصدقاء. وليسمح لي الأخ عيسو، مع شكري له، بأنني لن أعود لمقالة الأخ عمّار عكلة، لكوني ناقشتها، بهدوء، وبشيء من التحليل، غير السطحي. ولن أعيد تكرار الأفكار والملاحظات والانتقادات التي طويت مقالي عليها. وهي لم تكن ردّ عليه، بقدر ما كانت مدخلاً لمناقشة أفكاره وطروحاته ودعواته ومطالبه من النخب الكرديّة والأحزاب الكرديّة، داخل وخارج الوطن. ولقد أخذت ما طرحه الأخ عكلة، كأنموذج لتعاطي طيف لا بأس به، ممن يسمّون أنفسهم بالمعارضة. وسبق أن ذكرت، في مقالات أخرى: "في سورية، لا يوجد معارضة، بل يوجد معارضون". وآمل أن يشير السيّد عيسو إلى الأماكن التي تجنّيت فيها على الأخ عكلة!. مع اختلافي الشديد مع الطريقة والأسلوب والتقنيّة التي تناول بها الأخ وليد حاج عبدالقادر، مقالة الأخ عكلة. وليس هنا مربط المناقشة، إذ لكلّ منّا تقنيّه في الكتابة والتفكير. وأعيد وأكرر: أبداً، أبداً، لم أضع الأخ عكلة في خانة معاداة القضيّة الكرديّة وحقوق الأكراد. فمفهوم العدو، خطير، لجهة ليس الرفض، وبل محاربة القضيّة والكرديّة وحقائقها. والأخ عكلة، وآخرون، رغم الانتقاد لهم، أنا بعيد تماماً عن الانجرار نحو منزلق اطلاق هذا الوصف عليهم. وحين يذكر الأخ عيسو في مقاله، هذا الأمر، عاطفاً عليه، "عدم الإيمان بالمختلف"، ويذكر اسم كاتب هذه السطور في مقاله، فقد وضعني في المكان غير المنصف، لكوني لم ولن ولا أرى في عكلة عدوّاً، ولا ولم ولن أسعى لأن يكون صورة طبق الأصل عنّي، ككرديّ سوريّ. وبالتالي، رأي عيسو، كان يستوجب القليل من التريّث والتمهّل والأناة، قبل إطلاقه جزافاً. وبل على عيسو، العودة لمقالي، وقراءته بتمعّن أكثر، بعيداً من شحنة الانفعال التي طغت على نبرة مقاله، موضوع هذه المناقشة.
أعتقد أنه قبل خمس سنوات، كتبت مقالة بعنوان: "الدولة الوطنيّة وضروراتها في الشرق الأوسط". ولا زلت أؤمن بهذا الطرح. فحتّى لو منح النظام السوري خيار الانفصال للكرد السوريين، فلست مع هذا الخيار. لكن هل هو حق أم لا؟. طبعاً هو حقّ، ولا غيار عليه، ولا خلاف عليه، إلاّ عند البعض. أنا من دعاة الدولة الوطنيّة، إن في سورية وتركيا والعراق وايران. ولست مع تغيير الحدود إلى إذا قررت شعوب هذه الدول ذلك. يعني، إذا رفض العربي، وضمن دولة وطنيّة حقيقيّة، أن أعيش معه، وقرر هو الانفصال عن الكرد، لا يبقى أمام الكرد من خيار إلاّ الاستقلال. وينسحب الأمر على الترك والفرس أيضاً. وكثيراً ما كتبت، وذكرت: إن الحل الأمثل للقضيّة الكرديّة هي دولة وطنيّة، تعترف بكامل حقائق وحقوق الكرد. فإذا كانت سورية تعترف في دستورها بشعبي، وهويّته، وتمايزه، ولغته وحقوقه القوميّة والسياسيّة الكاملة في السلطة والثروة، لماذا أنفصل عنها؟!. أوليس من شديد الغباء الانفصال عن هكذا دولة!؟. وعلى ضوئه، أيّة اتهامات وشتائم وجّهتها للسيّد عكلة، يا أخ عيسو؟ آمل أن تأتيني بها، من خلال قراءتك لمقالي، كي نناقشها معاً، ويتنوّر القارئ. أكرر، أنا ناقشت أفكار وطروحات، ولم أتهم وأدين وأشتم!!.
يطالبني الأخ الأستاذ حسين عيسو بالعودة لمقالة الأخ عمّار عكلة _ "ودوماً مع حفظ الألقاب لعيسو وعكلة" _ ويتساءل: (هل يتنكر فيها للتنوع القومي والديني والمذهبي , ألم يقل : ليكون هذاالتنوعمصدر إثراء للثقافة والوعي , ولا تنتفيمعه خصوصية مكونات المجتمع")
هو لم يتنكّر للتنوّع القومي والديني والمذهبي. ولا ينبغي عليه ذلك. طالماً زعم المعارضة والوطنيّة في آن. فمن يعارض سلوك نظام استبدادي، ينبغي أن يكون براءاً من أفكار وسلوكيّات وممارسات هذا النظام. ومن يزعم الوطنيّة، ينبغي عليه الإقرار بحقائق الوطن واستحقاقات موازييكه القومي والديني، ليس فقط على مستوى إغناء  و"إثراء الثقافة والوعي" بل على مستوى الدستور المدني الوطني، الناظم لحيوات الدولة والمجتمع. ذلك أن ما فائدة الاعتراف بالتنوّع، مع تحاشي الاعتراف والاقرار باستحقاقاته الوطنيّة، ضمن دولة مدنيّة وطنيّة ديمقراطيّة، لا يشكلّ لها مصطلح كردستان رهاباً ورعباً؟!. الاعتراف بالتنوّع القومي والديني والمذهبي في سورية، هي الخطوة الأولى نحو الوعي الوطني. ولا ينبغي لها أن تتوقّف عند هذا الحدّ. بل تستوجب وتملي المزيد من الاعترافات الأخرى، حتّى تكون وطنيّة المرء ناجزة وحقّة وتامّة، ولا يشوبها أيّة شائبة. والمعارضون العرب السوريون، ومنهم الأخ عكلة، مطالبون بأن يكونوا على قدر مسؤوليّة وجسامة تبنّي دولة المواطنة والحقّ والعدالة. وأن الوطنيّة، ليست امتياز، شعاراتي أو لفظي، يلقى هكذا. ولئن الشيء بالشيء يُذكر، وتطبيقاً لمطلب الأخ عيسو بالعودة الى مقالة عمّار عكلة، فأن مدخل المقال، يشير، بوضوح، أن الأخ عكلة، قد نصّب نفسه، ناطقاً بلسان العقل، وأيّ عقل؟، الوطني الخالص طبعاً، والكتّاب الكرد، ناطقون بلسان الغرائز والنوازع والأوهام الشعبويّة الانفصاليّة!. ألم يسترعي هذا، انتباه الأخ عيسو؟!. أوليس في هذا المنحى، الكثير من التعميم والشموليّة، ناهيكم عن الاستعلاء!؟.
يقول الأخ عيسو: (أرجو من السيد "أوسي" أن يبتعد عن تكرار ذكرالحقائق التاريخية والحضارية , لأنها ليستفي مصلحة أحد , وخاصة نحن , لأن التاريخ كتب لمصلحة القوى الجديرة بالحياة , وللأسفلم نكن من بينهم يوما ,)!.
إذا لم تعتبر شعبك، بأنه لم يكن ضمن القوى الجديرة بالحياة، في أيّ يوم من الأيّام، فمحال عليك الدفاع عن قضيّة هذا الشعب!. وإذا كان تكرار الحقائق التاريخيّة، ليست من مصلحة أحد، وخاصّة نحن الكرد، فهذا مذهب ثقافي وسياسي خطير للغاية. ووجه الخطورة فيه، أنه يدعم موقف السلطات الحاكمة للكرد، وتزويرهم للحقائق، اعتماداً على التاريخ. فالخائفون من التاريخ، هم وحدهم يحاولون تفادي حقائقه. وعليه، وحسب ما يُفهم من رأي عيسو: وكأنّ الكرد، هم من تطاولوا على التاريخ وحقائقه لمصالحهم، وليس ظالمي الكرد!؟. وإذا كنتُ مخطئاً، فلينوّرني أحدهم!.
ما أفهمه، أن لكل قضيّة عادلة، شعب أو فئة أو شريحة، مظلومة, تدافع عنها. ولكل شعب تاريخ. والتاريخ ليس كلّه حقائق. وليس كلّه خرافات وترّهات وأوهام. لا يمكن فصل السياسة اليوميّة، والسياسة الاستراتيجيّة البعيدة المدى، عن التاريخ. والتاريخ يدرّس كأحد أبرز المواد في أكاديميّات وكليّات ومعاهد العلوم السياسيّة. ولم نسمع بسياسي ناجح وصاحب قضيّة عادلة، قد طلّق التاريخ، ظنناً منه أن شعبه، لم يكن ضمن القوى غير الجديرة بالحياة، التي صاغب التاريخ على هواها وانسجاماً مع مصالحها!!. وما لا أفهمه، لماذا لسنا، ضمن القوى غير الجديرة بالحياة التي صاغت التاريخ؟!. الحقّ، باعتقادي، أن الفكرة هذه، والتي طرحها عيسو، من الأهميّة والخطورة التي تنطوي عليها، ما يسترعي التأمّل والنقد والمراجعة.
ويريد عيسو تأكيد فكرته السالفة تلك، بطرح التساؤل التالي: (ثم هل الحقائق التاريخية تقول بوجود الأتراك في تركياالحالية قبل ثمانمائة عام , وهل كان العراق أو سوريا موجودتين قبل تسعين عاما , لقدقسم الاستعمار المنطقة قبل تسعين عاما بدون رأي أي من أبناء المنطقة , ولم يكن للكرد نصيب في تلك القسمة , ليس لأن الاستعمار يكره الكرد وتقصّد حرمانهم من تأسيسدولتهم , أسوة بغيرهم من شعوب المنطقة , كما يدعي البعض منا , وانما السبب هو رغمأننا كنا ضعفاء جدا , إلا أننا كنا نعيش في الخيال , بعيدا عن الواقع , كما نحن اليوم , فبقينا خارج الوليمة , لأننا لم نكن جديرين بها , هل ننكرها أيضا أم نعترف بذلك بشجاعة).
اللحظات التي كتبت فيها هذه الأسطر، مضت، وصارت جزءاً من الأمس. ومن الأمس ما هو قريب، وما هو بعيد أيضاً. وكلا الأمسين هما التاريخ. الأتراك غير موجودون قبل تسع مئة سنة. لكنهم موجودون منذ تسمع مئة سنة أيضاً. وبالتالي، هم الآن، إحدى الحقائق التاريخيّة والجغراقيّة _ البشريّة، التي بنتغي أن يعترف بها الكرد وكافّة شعوب المنطقة. وأصلاً، لا يمكنهم إنكار ذلك. الأتراك، كتكوين سياسي، اقتصادي، دولتي، يمتدّ وجودهم لحقبة السلطنة السلجوقيّة. ولكن، كتواجد بشري، متفرّق، يمتدّ تواجدهم إلى الحقبة العبّاسيّة والزنكيّة والأيوبيّة والمملوكيّة.
سورية والعراق، كانا موجودين قبل الاستعمار البريطاني والفرنسي، في الحقبة العثمانيّة، كولايات. وكتكوينين سياسيين، ضمن حدود معيّنة، مرّا بحقبة الاستعمار والاستقلال الوطني. ولم يكن للكرد حصّة، لأننا ضعفاء وحسب. ولم يكن لدينا ممثلون أقوياء في مؤتمر الصلح والمؤتمرات التي اعقبت الحرب العالميّة الأولى. لم يكن للكرد حصّة في التقسيم الاستعماري، لكونهم كانوا، ولا زالوا، شعب النوايا الحسنة. ولأنّهم فرّطوا بحقوقهم في مؤتمر لوزان. وانخدعوا بادّعات الجمهوريّة التركيّة الوليدة. لعلنا الآن، ككرد، أشدّ فقراً وجهلاً سياسيّاً، في سورية، بالفترة التي انخدع بها الكرد بالجمهوريّة التركيّة. لجهة، أن تلك الوعود التي اطلقها أتاتورك، كانت مقترنة بتغيير نظام، امبراطوري، سلطاني، إسلامي، بربري ووحشي. أمّا الآن، فمجرّد كسب دعم معارض سوري، لصالح البعض من حقوقنا الوطنيّة الجد طبيعيّة في سورية، في دولة وطنيّة منشودة، بعيدة المنال، ينبغي لنا أن نضحّي بالكثير من حقائقنا القوميّة!. وكأنّ الكرديّ المظلوم، المغبون، هو المطالب إلى أبد الآبدين، بمنح الثقة للعربيّ والتركيّ والفارسي، بأنّه ليس انفصالي!. ولو لم يكن الشعب الكردي، جديراً بالحياة، في أيّ يوم من الآن، فكيف حصل كرد العراق على الفيدراليّة؟. الحياة يهبها الله لنا، ونحققها نحن، ونعطيها معانيها. ومن لا يعتبر نفسه جديراً بالحياة، من البديهي أن لا تعتبره الحياة جديراً بها. الشجاعة أن تدافع عن حقائقك وحقوقك، وأنت ضعيف. ومن الشجاعة أيضاً، أن ترحّل بعض حقوقك للمستقبل، ولا تنكرها، وتتفادى ذكرها، بغية كسب ثقة الشريك الوطني. ففي حوار سابق، أجراه كاتب هذه السطور، مع المرجع الشيعي اللبناني الأعلى، الراحل الكبير، سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، ونشرته مجلة "سورغول"، سنة 2003، قال الراحل: "إذا ضاق الحاضر بحقوق الشعب الكردي، فسينفتح المستقبل على ذلك".
ويضيف الأخ عيسو بالقول:(وهنا أرجو أن لا نسبح مرة أخرى في الخيال ونشبه أنفسنا ككرد سوريين بأخوتنا في العراق أو ايران أو تركيا – لا ديموغرافيا أو جغرافيا ...- أو نذهب الى سويسرا وبلجيكا , وعلينا أن نسأل أنفسنا , هل وضع الكرد في سوريا يشبه وضع كردالعراق أو تركيا من كل النواحي والإمكانات , وكم دفعوا مقابل ما قد يحصلون عليه اليوم ؟ انني واثق أن السيد "أوسي" يعلم ما الذي حصل حين أراد العراقيون تطبيق الفدرالية , ويعلم أن من وقف ضد الفدرالية العراقية هم المثقفون من العراقيين والعرب المقيمين في سويسرا وبلجيكا وبريطانيا وفرنسا وكلها دول عانت قرونا من الحروب والقتل على الهوية ثم عادت الى الواقع فازدهرت بعد الاعتراف بالتنوع العرقي والمذهبي وتطبيق الفدرالية في بلدانها , لكن البيئة والموروث الثقافي الذي ما زلنانعاني منه كردا وعربا و ... في هذه المنطقة التعيسة من العالم , وأمراض الشكوالريبة تتحكم فينا قبل الثقة واليقين , حتى لو عاش أحدنا في بلدان حقوق الانسانوالفدراليات سنين طويلة , فماذا نفعل , هل سنعمل على بناء الثقة بيننا وبين الآخرالسوري بتبادل الاتهامات والشتائم ؟ أم نعمل معا وقدر ما نستطيع لوضع أساس لبناءتلك الثقة).
منطق غريب وعجيب حقّاً!. كرد العراق وكرد تركيا، ينبغي ألاّ نقارن أنفسنا بهم، كحالة نضاليّة، وهم بين ظهرانينا!. وسوسيرا وبلجيكا، لا ينبغي أن نأخذ بهما، كتجارب ناجزة للدولة والوطنيّة المدنيّة الديمقراطيّة!. طيّب، والحال هذه، على ماذا نعتمد!؟. على التراكم العظيم والعريق في الوعي الوطني، في إدارة الدولة الوطنيّة، لدى السيّد حسن عبدالعظيم؟ أم لدى السيّد رياض الترك؟ أم لدى عبدالحليم خدّام؟، أم لدى رفعت الأسد؟ أم لدى جماعة الإخوان المسلمين...؟!. ذلك أنه لا توجد تجارب للدولة الوطنيّة في سورية، لا عند الدولة، ولا عند الحزب الحاكم، ولا عند مجاميع المعارضة!. نحن ما يناهز 3 مليون، بني آدم. لم يهبطوا من المرّيخ!. ويعيشون على هذه الأرض منذ أزمان ودهور. فما الذي ينقصنا عن كرد العراق وتركيا وايران؟!. المسألة تمكن، هل ينطبق علينا حق تقرير المصير أم لا؟. هل ننظر إلى أنفسنا كشعب أم لا؟. هل حقوقنا القوميّة، سواء في الحكم الذاتي أو الفيدراليّة، منسجمة من شريعة الأمم المتحدة والقانون الدولي والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين في الحقوق المدنيّة أم لا؟. ثم نتجه للإجابة على تساؤل: هل يرضى الأخ عمّار عكلة، بهذه الحقوق لأبناء شعبه الكردي، تحت سقف الوطن السوري، أم لا؟!. أعتقد أنه هنا المفصل الذي الذي كان ينبغي على الأخ حسين عيسو ان يركّز مقاله عليه. ما أفهمه أنه إذا كنتَ تنظر إلى نفسك ضعيفاً، مهزوزاً، فلن ينظر إلى الآخرون نظرة قوّة واقتدار وصلابة.
يقول الأخ عيسو: (نعم يا سيدي حين يقول أحدنا "إقليم غربي كردستان" فان مثل هذا الطرح يؤدي الى خلق الريبة والشك لدى الآخر العربي لأنها تعني التشكيك في وجود سوريا , فنحن لسنا سويسريين بل شرقيون حيث البريء متهم حتى تثبت براءته).
إذا وضعت نفسي، سلفاً في خانة الشبهة والاتهام، حين أطرح حقائقي، فسيتكفّل الباقون في إدانتي ومحاكمتي. وحين يكون إقلم غربي كردستان، تشكيك بوجود سورية!، فهذا مدخل لعدم الاعتراف بكردستان كلّها، كرقعة جغرافيّة، استوطنها أجداد الكرد منذ آلاف السنين، واعترف بها الملك السلجوقي سنجار، قبل نحو ثماني مئة سنة، وأطلق عليها اسم كردستان!. واعترف بها العثمانيون. وبل اعترف بها أتاتورك نفسه. ولأنك في سورية وليس في سويسرا، عليك الإصرار على حقائقك، ما دمت مؤمناً بأنها حقائقك. وإذا كان لدى الآخر ما يفنّدها بالدلائل والبراهين والقرائن الدامغة، فليأتِك بها. وأعتقد أن منسوب وطنيّة الشريك العربي والآثوري، هو مدى قبوله بالحقائق التاريخيّة والحضاريّة لهذه الأرض. فبالنسبة لي، المناطق الكرديّة السوريّة، هي غربي كردستان وكردستان سورية، وبيت نهرين، وشمال سوريّة... وما شئت من مسمّيات، تعتمد على المعطى التاريخي والجغرافي، طالما كانت تحت السقف الوطني السوري. ولئن بالأمكنة، تقاس مدى جدارة تبنّي القضايا والحقوق، فأن المطالبة بالحقائق والحقوق القوميّة للشعب الكردي السوري، ضمن دولة وطنيّة حقيقيّة، من سورية، أهم وأجدر وأبلغ، من المطالبة بها من سويسرا. وسيقول قائل: تعالَ، وطالب بها، من داخل الوطن!. ويكفي ردّاً، أنني طالب من الداخل، وسأبقى أطالب من الخارج.
من يريد بناء وتشييد دولة وطنيّة، من البديهي أن يكون بباله نموذج، حضاري، راقي، وناجز، لا يتواجد إلاّ في الفضاء الأوروبي. إذ لا يوجد في الشرق الأوسط، نموذج يتحذى به في الدولة الوطنيّة. ثمّ أن منشأ الدولة القوميّة، ثمّ الدولة الوطنيّة، الفيدراليّة...، هو الغرب، وليس دمشق وطهران وأنقرة والقاهرة وطرابلس الغرب...!. أمّا القول: إننا، نحن السوريون، والشرق أوسطيون، لنا كوارثنا وآفاتنا وأمراضنا وعللنا وعيوبنا...، ولسنا أوروبا ودولها ومجتمعاتها، فهذه دباجة، لطالما سمعناها من سدنة الفساد والاستبداد المحيطين بالنظام السوري. وهذا أيضاً من عللنا، حين تتسرّب تقييمات النظم الأستبداديّة إلى خطاب معارضيها. ولعلّ هذا الأمر، هو جوهر ما أردت الإشارة إليه، في معرض مناقشة أفكار وطروحات ومطالبات الأخ عمّار عكلة.
كاتب كردي سوري


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات