القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 515 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: لرحيل زاغروس آمدي أيضاً باقة ورد من السماء

 
الجمعة 25 ايلول 2020


إبراهيم محمود

لفظ الكاتب والباحث الكردي زاغروس آمدي " حسين قادر" أنفاسه الأخيرة، في فيينا" العاصمة النمساوية، في " 22 -9/ 2020 "، وهو يعيش أوجاع مهجره، وآلام كرديته، ومدينته المدماة " من ساسا لراسا " عفرين، وهو ابن عفرين هذه، ابن قرية مامالي التابعة لعفرين، لكنه سليل شخصيته المستقلة الحادة المزاج، جرّاء واقع كردي " واقع "، والمأهول بكردية متبصرة للكثير مما أغفل عنه مثقفو كرده الموسومون هنا وهناك،دعك من سياسييهم الذين أورثوه روحاً ونفْساً وعقلاً ندوباً كاوية، ولعل صمتاً مريباً وتكتماً غريباً غرابة كرده هؤلاء حول رحيله النهائي، كما قرأت عنه في موقع " ولاتي مه " الخميس، 24 أيلول 2020 " نبّهاني إلى ذلك، كعادة كرد كهؤلاء في كيفية الانتقام من ذوي بصيرة كالراحل حياة وموتاً.


رحل زاغروس آمدي، رحل بآلام بثقَل زاغروس الجبل، وآمد المدينة الكردية النموذج، وأتصور مدى ثقل جثمانه المفكّر النابه تجاه نزيف كردي كهذا يمتد في أرجاء وطنه اللاوطن، حتى مهجره اللاوطن حقيقةً، وكما رحل آخرون قبله، سيرحل آخرون بعده، من الطينة النفسية ذاتها، وسيكأفأون بالطريقة الكردية ذاتها، في كيفية التجاهل أو التعتيم، خلاف من طأطأ ويطأطىء رأسه لمن يسمسر للكردية هنا وهناك.
أكتب عنه من هذا المنطلق، وأنا أستدعي بعضاً من مشهدياته في الكتابة الصارمة، الموقفية" بعضاً مما كتبه في موقع ولاتي مه، كأمثلة ساطعة "، كتابة أخافت كثيرين، وستخيف كثيرين من الكرد، جرّاء النقد الحاد فيها، تأكيداً على أن الفرد الواحد، يمكنه إحداث جلبة، بلبلة، زلزلة، مشكلة صادمة لمن تعوّد توجيه تابعيه قطيعياً، وتلك هي مصيبة الكرد من ألف تاريخهم إلى يائه، وإلى ساعة كتابة هذه الكلمة.
أستدعي بعضاً مما كتب تحية إلى روحه المحلقة خارج ما هو قطيعي كردي.
في مقاله العاصف الوارف " الظاهرة التخوينيّة والتجحيشيّة عند الكرد ، 12 كانون الثاني 2017 " ثمة القديم الجديد، ويبدو أن هناك التالي، القادم من النسخة المفجعة ذاتها في تعامل أولي أمر الكرد، مع من يمارس نقداً، ويُسمّي كرداً حباً بهم، وليس بمن يختزلونهم، يقول زاغروس الجبل ( من أكثر القضايا الخطيرة والمتجاهلة والغير مرغوب بتناولها في الحركة الكردية والتي لم تحظَ بالعناية اللازمة هي ظاهرة التقسيم الإعتباطي المجحف بحق أفراد وشرائح الشعب الكردي وقبائله وفئاته المختلفة، بإطلاق الأحكام التخوينية والتجحيشية والعَمالَتيّة على المختلفين فكرياً أوسياسياً بالرؤى والمواقف المختلفة، من قبل الأحزاب السياسية والحركات الكردية المسلحة ومثقفيها.).
يقرأ المعنيون بالمحتوى من لا ألف الكرد هنا إلى لا يائهم، حيث يتنفسون برئة لاتاريخية، على وقع حسابات مجتزأة، ومنتقاة، لجعل الكرد دون اسمهم: سياسيين ومثقفين، كما يزكّون أنفسهم، وهو ما يتطلب مكاشفة ( إن ضعف الذهنية الحزبية الكردية الناتج عن الفقر الثقافي وأحادية اتجاهه الذي يعاني منه الكرد عموما، هي التي جعلت معظم الأحزاب والمثقفين الكرد يتهافتون على أفكار عبثية متخيلة عن الديمقراطية والاشتراكية والشيوعية واسقاطها على الواقع السياسي الكردي، بحيث لم يبق حزب كردي إلا وتزيّن بشعارات ومبادئ هذه الأفكار التي انتشرت في المنطقة بعد نجاح الثورة البلشفية الروسية، والتى رفعت شعارات مهمة ومغرية كحق تقرير المصير للشعوب، كانت كافية أن تخدع الذهنية الكردية الخاوية،التي تشبه الوعاء الفارغ الذي لا يسأل بماذا يُملأ، وكان من الطبيعي أن تظهر بينهم ثنائية غريبة من نوع جديد يمكننا تسميتها بثنائية المناضل والخانع، أو المخلص والخائن، أو الوطني والعميل. مما أدى بالتالي إلى ظهور ثقافة التخوين والتجحيش بشكل غير عادي بين الكرد. ).
ما أشبه اليوم بالأمس وأول الأمس وأول أول الأمس، وحبل التسفيه على الجرار التسفيهي إلى أجل كردي غير مسمى. نعم( للأسف إن غياب المفردات المحركة للذهن عن العقلية الكردية، مثل لماذا وكيف وهل وأين ومتى… أقصت الذهنية الكردية عن الواقع وعن التفكير المنطقي، لذلك أصبحوا مثل الجمهور الذي اتخذ قراره حسب الإشارات الداخلية التي جاءته فيما سيفعل الحمار؟ هل سيشرب أولا أم سيأكل أولا؟ وانقسموا فيما بينهم على هذا الأساس، ومازال هذا الإنقسام في انتشار إلى أن يبادر الحمار إلى فعله.).
ذلك ما يواجهنا بما ليس في الحسبان النقدي، الاجتماعي، والتاريخي، كما في مقاله الآخر" قراءة نقدية للنّضال الكردي المسلَّح والدّم المهدور " 1 " 8 شباط 2017 "، وما يقرّبنا من السخونة اللاسعة والمهلكة ، حيث ( مشكلتنا الحقيقيّة نحن الكُرد، هي أننا نسينا أن نهتم ببناء أنفسنا، أي بناء الإنسان، لإنشغالنا طول الوقت في السياسة لتحرير الوطن المسلوب، هذا الإنشغال الذي استهلك معظم أو ربما كل الطاقات الفكرية لدى السياسيين والمثقفين والناشطين، وقد يبدو هذا لأول وهلة شيئاً طبيعياً، فكلُّ كرديٍّ يريد الحصول على سبق شَرَفي في تحرير كردستان. ).
ذلك ما يحفّز على المساءلة عما يجري، كما في مقال ثالث له، وهو "  المسؤولية عن مصير شعب... والسياسي، 8 آب 2017 "، وقوله السليم ( الشعوب الواعية الحيّة قد تتساهل في محاسبة سياسييّها في الأخطاء الصغيرة، لكنها لا تتساهل أبدا في محاسبتهم سواء في التاريخ القديم أو الحديث. آخر حدث قي هذا السياق تقديم رئيسة كوريا الجنوبية إلى المحاكمة بعد تجريدها من الحصانة. وقريبا ربما نشهد إزاحة الرئيس الفنزويلي من منصبه بسبب سوء إدارته وتسببه في أزمة اقتصادية خانقة بسبب نهجه الإشتراكي.).
ومن جانب آخر، حين يمتزج الفن بالواقع، وحين يكون الفن نفسه بعداً نضالياً من أبعاد الواقع، وثقافة مطلوبة للتفاعل معها، كما في مقاله " أوجه التّناقض والتّشابه بين الموسيقارين: ريشارد فاغنر وشفان برور :5 آذار 2020 " ريشارد فاغنر 1813- 1883موسيقي ألماني أبهر العالم بموسيقاه الخالدة، لكن عداؤه للسامية كان الجانب المظلم لحياته. أعجب به النازيون وأولهم هتلر غاية الأعجاب ليس فقط بسبب موسيقاه وإنما بسبب كراهيته واحتقاره لليهود التي لم يخفها، بل أعلنها صراحة في احدى مقالاته: "في طبيعته غير كفء في التعبير عن نفسه فنيّا سواء من خلال مظهره أو عبر لغته وخاصة من خلال طريقته في الغناء". ويضيف قائلا: اليهودي لا يستطيع إلا أن يقلّد" ومع ذلك كان لايمانع أن يستقبل بعض اليهود الأثرياء المعجبين بموسيقاه الذين كانوا يملؤون خزانته ذهبا.).
لم يكن هذا القول ابتداء، إلا ليذكّر بما عرِف به الفنان الكردي شفان، بمنحاه الإيديولوجي المتشدد، وهو مبدع، إذ ( شفان برور لا يقل عن فاغنر أو بيتهوفن بفنه الموسيقي بل وبصوته وأدائه الفريد والمميز والذي أمسى مدرسة موسيقية فريدة.).
وهناك ما يؤكد ذلك ( أول ما تدخل المكتبة الوطنية في فيينا ستجد صورة كبيرة لشفان معلقة على الجدار إلى جانب صور موتزارت وبيتهوفن (لا أعلم ما ذا كانت موجودة إلى الآن) ويعتبر هذا العبقري الموسيقي، أول كردي وصل مرحلة العالمية بموسيقاه وغنائه. لكن على ما يبدو أن العظماء أيضا لهم جانب مظلم في حياتهم كغيرهم. ).
لكن إبداع شفان لم يخل من ملازمة موجعة وصادمة (إلا أن التطرف بدا واضحا في أغانيه وكان إنعكاسا لتلك الأفكار وسياسة حزبه الراديكالي، وخاصة تلك التي حرضت على قتل الإقطاعيين والآغاوات والبكاوات ورجال الدين وقد مارس الراديكاليون الماركسيون رفاق شفان تحت قيادة عبدالله أوج آلان القتل الممنهج لتلك الشرائح من المجتمع الكردي وكان أكثر ضحاياهم من الأطفال والنساء. مما أدى إلى ظهور حراس القرى ،الذين وصل عددهم عشرات الآلاف واحيانا أكثر.للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات الماركسيين الكرد المتشددين.
انشق شفان عن الحزب، لا أعلم الأسباب، لكني أعتقد أن العبقري تضيق به المساحات، وعشقه للحرية من طبيعته، لأن العبقري لايمكن أن يبدع دون حرية.).
ينتقد شفان، كما ينتقد اعتبار الحقيقة احتكاراً لتنظيم سياسي أو حزبي دون غيره، ويرى ما يجب أن يُرى، وهو أنه ( لكن يجب أن نعلم أنه مهما بلغت عبقرية الفنان أوالعالم أو القائد فهذا لا يعصمه عن الخطأ.).
ويبدو أنه متابعته للتاريخ الكردي، ومن خلال عالم الإسلام السياسي، دفعته لأن يكتب " تأريض الإسلام " الكتاب الذي يتصدى لهذا المشكل الكبير والخطير والذي دفع الكرد وما زالوا يدفعون ثمنه الكثير الكثير، بسبب الجهل الملموس لما عليهم وعيه وممارسته.
وهذا ما نتلمسه في مقاله التوضيحي " لهذه الأسباب ألّفتُ كتابي تأريض الإسلام ، 10 أيار 2020 "، وكموقف له مما يجري، وبصواب نافذ يقول (لا يمكن لأحد أن ينكر ما لعبه الدين الإسلامي من دور هام في تقرير مصير الشعوب الإسلامية والعالم في مختلف نواحي الحياة، لكن توقّف ذلك إلى حد كبير على كيفية التفاعل والتعاطي مع هذا الدين، فالشعوب التي عملت على الإشتغال بالدين بوعي وادراك، تمكنت من توظيف الطاقة الروحية للدين لمنافعها وتعزيز قوتها، على خلاف تلك الشعوب التي ظلت خاضعة وضعيفة بسبب قصورها في تعاطيها مع الدين.  
فيما يتعلق بالكرد، فإن الدين لم يكن له دورا إيجابيا في تاريخهم السياسي والإجتماعي عموما، صحيح أن الدين قد سد جانبا هاما من الإحتياجات الروحية للإنسان الكردي، لكن اقتصر دوره العملي في إرساء ثلاثة مفاهيم لا تخلوا من مغالطات، أولها فكرة أن الأخلاق منشأها الدين، وثانيهما في ترسيخ مبدأ الأخوة في الإسلام وأن الكفار أعداء. وثالثهما تجذير فكرة الإيمان بالقدر خيره وشره من الله. وبذلك تم خلق شخصية ضعيفة، مهزوة، سهلة الإنقياد، مستسلمة ومستكينة راضية بذاتها، وشخصية توكلية خالصة وكل ما يصيبها ويحدث معها مقرر ومقدر بشكل مسبق في كتاب القدر. وقد طابت لهذه الشخصية هذه الصفات فتفاعلت معها إلى درجة الإنسجام وأمست تكوينا أساسيا لها ولا سيما وبحكم أعتمادها على الزراعة والرعي أي على نزول الماء من السماء. لذا سادت ثلاثة ظواهر سلبية، أولى هذه الظواهر الثقة المفرطة برجل الدين، وثانيها الثقة المفرطة بالمسلمين الآخرين، وثالثهما فقدان روح المبادرة والشكوى الدائمة من القدر (الفلك) عند كل نازلة وفاجعة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة. وأصبحت هذه الظواهر من السمات البارزة في الثقافة السائدة عند الكرد. ).
ولعله، جرّاء التعامل السلبي مع واقع الدين لدى الكرد، وخارجاً، اختار، وكما يقرّر هو : الإسلام الإبراهيمي طريقة حياة، أي أبعد مما هو ممارَس، ومعتنَق، كشخصية متحررة من هذه اليقينيات الموجهة، متأثرة بقراءاته الفكرية النيّرة، وهو في أوربا " النمسا "، وربما بتأثير من اختصاصه " الهندسة المدنية ".
وفي مقارنة المعروفة لدي المطّلعين ثمة ما يتحدد فكرياً، لحظة المقارنة بين أهل الفكر في أوربا، تجاه المسيحية، وبالمقابل، بخصوص الإسلام، من أهله المعتبرين مفكرين أو ممثّلين له(ومن ناحية أخرى قدم فلاسفة أوروربا رؤىً وتصورات إنسانية بديلة عن الكتاب المقدس في معاني وجود الله والعالم والإنسان. وبهذا خفّت كثيرا وطأة المقدس الديني عند المسيحيين واليهود. بينما الإسلام المحمدي مازال يتحكم بقوة بعقول المسلمين، لذا لم ولن نشهد أبدا رجل دين مسلم يغسل قدم مسكين أو يزيح أمام ضرير حجرا كي يجبنه الوقوع أو يصنع بسمة على وجه طفل بريء، بل ما يحصل هو العكس تماما وهو السيطرة على عقول المساكين وإدخال الخوف والفزع في قلوب الأطفال بحكاياتهم الدينية المرعبة، كي يحافظ رجل الدين على نفوذه ومكانته بين الناس.).
لم أشأ الدخول في أي مناقشة، مع هذا العقل المتفتح والخصب، زاغروس آمدي" حسين قادر "، هذا الكردي الذي أحب كرديته، كما هو الممكن والمتاح، كغيره، بالنسبة إلى أي كان من قوميات أخرى، وفي لغات أم أخرى، وأحب كرده كما تمنى عليهم أن يكونوا كغيرهم من الشعوب الأخرى، وأحب- أيضاً- من هم حوله، وهم يرتقون إلى مستوى الإنساني، والعقل الناقد والبناء، ليكونوا أخلاً لدخول الجغرافية الفعلية، والتاريخ الفعلي .
لتمطرك السماء بعبقها، وليتحول ضريحك يا زغروس الكردي ابن الكردي، إلى حديقة غنّاء، كما هو قلبك الكبير، وعقلك الكبير، وبصرك المنير.
سلام لأهلك حيث يعيشون، وأنا أعزّيهم، وأواسيهم، وأخبِرهم، باقتضاب، عما تركته من أثر، سيأخذ به تاريخ لا صلة له بكل نسَب قطيعي معهود هنا وهناك .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.5
تصويتات: 8


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات