القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 372 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: الجائحة الحزبية في غرب كوردستان

 
الثلاثاء 07 تموز 2020


سعيد يوسف

الظاهرة الحزبية في أساسها ظاهرة اجتماعية سياسية ،تظهر استجابة لحاجة مجتمعية، وتلبية لضرورات حيوية.
أما غاية الحزب السياسية فهو الوصول إلى هرم السلطة، وإدارة المجتمع. 
لاشك أن الإنسان كائن سياسي بالفطرة، بهذا المعنى كل الجماعات البشرية، والشعوب القديمة مارست السياسة من خلال توزيع الأدوار والمناصب، وتشكيل المجالس والجمعيات العامة، والتي هي بمثابة برلمانات، تنظم العلاقة بين مختلف طبقات المجتمع ومكوناته، وفق تشريعات، يتفق علها. 
وقد مارست الإمبراطوريات القديمة، في بلاد ما بين النهرين السياسة في أزهى صورها كما في بابل ولدى السومريين، ومثلهم الميديون، وكذلك المدن اليونانية مارست كل أشكال الحكم: الملكية، الأوليغارشية، والديمقراطية، والعسكرية الإستبدادية. ويعتبر سولون أحد أبرز مشرعيهم، بينما وضع إفلاطون كتاب الجمهورية الذي يعد من أمهات الكتب السياسية على الإطلاق في تاريخ الجنس البشري، وبعده وضع أرسطو كتاب السياسة.


إلا أن الظاهرة الحزبية قطعت شوطا أبعد نحو سلم الإرتقاء، مع بدايات العصر الحديث، فباتت أكثر تنظيما وأعمق منهجية، ولم تعد السياسة سلوكا فطريا يمارسه كائنا من كان. بل أضحت عملا مؤسساتيا واحترافيا إلى جانب مزايا شخصية فنية، وكارزمية لا يمتلكها إلا القلة من الناس.
أقدم الأحزاب السياسية في العصر الحديث ظهرت في بريطانيا، وهو حزب اليمين البريطاني عام/1678/.وبعده وفي العام نفسه حزب المحافظين البريطاني، أما في أمريكا فقد ظهر الحزب االفيدرالي الأمريكي عام /1789/.وظهر بعده الحزب الجمهوري الديمقراطي في العام/1794/.
وبالإنتقال إلى الحالة الكوردية السورية وبقفزة زمنية تقارب الأربعة قرون، فقد تأسس أول حزب سياسي كوردي سوري في عام.( ١٩٥٧).ببرنامج سياسي ونظام داخلي على نمط الأحزاب السياسية الحديثة، وضمن ظروف ولادة طبيعية وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني _سوريا. وقد مهد لتأسيسه، ظهور العديد من النشاطات الثقافية، والعديد من النوادي والجمعيات، بأسماء اجتماعية أو أدبية ولكنها في مضمونها سياسية التوجه، والممارسة. 
ولعل أبرز تلك الجمعيات هي الجمعية التي حملت اسم "خويبون". أي الإستقلال. حيث عقد مؤتمرها التأسيسي الأول في بحمدون بلبنان في ٥/١٠/١٩٢٧.على أيدي مجموعة من المثقفين والسياسيين الكورد الذين نزحوا من شمال كوردستان عقب فشل انتفاضة الشيخ سعيد بيران وبدعم أرمني أيضا. 
وبعد مضي سنوات عدة، حصل الشرخ الأول في الحزب أفضى إلى انشقاقه وذلك في العام /١٩٦٥/.
وما إن مضت سنوات أخرى وعقود، حتى تكاثرت الأحزاب الكوردية، بشكل ملحوظ وملفت، ووتيرة سريعة، مما يفصح عن هشاشة العمل السياسي الكوردي السوري. وبدا الهزال ينال من جسده ، وينخر مفاصله، وأخذ تأسيس الأحزاب وكأنه موضة وفانتازيا، حتى وصل إلى حد يسمح لنا بوصف الحالة بالوباء. ولعل  أبرز العوامل المفسرة لهذه الحالة ما يلي: 
١- البنية العشائرية /العائلية لمجتمع كورد الجزيرة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى يرتبط به، ضعف الوعي القومي والثقافي عموما كانعكاس لتلك البنية.
٢-واستكمالا لما سلف وارتباطا به كان لابن زعيم العشيرة أو العائلة دورا مكرسا لتلك الانشقاقات، والولادات حيث يأبى إلا أن يمارس دور الزعامة رافضا التبعية، وكأنه رئيس عشيرة، فيفضي به ذلك إلى تأسيس حزب خاص به، استمرارا وتخليدا لأمجاد أجداده وأبيه. ولا يغيبن عنا، أن المستوى المادي الجيد، مكن أولئك من تعليم أبنائهم تعليما عاليا، مما وفر لهم فرصا أوسع وامتيازات أرفع للعمل السياسي أو غيره. 
٣-ولعل من إحدى أخطر تلك العوامل وأكثرها كارثية على الحركة الكوردية، هو السعي الدؤوب، والحثيث للحكومات الإقليمية المحتلة لكوردستان، في صناعة أحزاب كوردية وفق مقاساتها، بحيث تلبي أجنداتها، وتنفذ إملاءاتها، عبر التسلل إلى بنية الحركة ، بشكل مباشر أوغير مباشر، وعبر أجهزتها الأمنية. 
٤-أن العقلية المتخلفة، والسلوك الرجعي النكوصي، الناجم عن هيمنة العلاقات الإجتماعية الإقطاعية الهجينة، المتداخلة مع النمط الرأسمالي التجاري. بالإضافة إلى السيطرة الإستعمارية الطويلة والمظلمة بشكليه القديم/العثماني، والحديث /الأوروبي. تلك السيطرة التي مزقت الجغرافية الكوردستانية، وتركت آثارا مدمرة على المستوى الإجتماعي، والإقتصادي والفكري. حيث بقيت كوردستان متخلفة، وتابعة، وساحة حروب مدمرة. ودون أن يتاح لها  فرص التماس المباشر مع المنتج الحضاري/المدني الحديث، ممثلا بالنموذج الأوروبي. 
بل بقيت تحت هيمنة وثقافة القوميات الإقليمية المتخلفة/المستعمرة والمستعمرة. التي تعجز بدورها، لا بل تكرس التخلف، وتستثمره. كانت أيضا إحدى أهم عوامل المشكلة. 
٥-ثمة عوامل أخرى لعبت دورا محوريا في غياب أحزاب سياسية أكثر تطورا. يتمثل في هامشية منطقة الجزيرة، وبعدها عن مراكز المدن الكبرى. مما غيب عنها أي إمكانية للتواصل مع المنتج الثقافي العالمي والإقليمي إلا قليلا. وأفسح المجال لظهور أحزاب هشة متشرذمة. 
٦-يضاف إلى كل ما ذكر الحصارالفكري/الثقافي والإقتصادي، الذي فرضته وتفرضه السلطات الإقليمية المقتسمة  لجغرافية كوردستان، وعملها الممنهج في إبقائها متخلفة، مع الاحتفاظ بها كمستودع، وسلة غذائية تستنزف خيراتها لتغطية احتياجاتها الدائمة، بينما يحرم  منها أصحابها المستحقون.وهذا أيضا أخلى الساحة السياسية أمام حركات سياسية هزيلة. 
٧- من جهة أخرى، شكل الإرهاب السياسي، والممارسات اللاإنسانية بحق المعتقلين من السياسيين الكورد من سجن وتعذيب، وحتى التصفية الجسدية والإغتيالات عوامل كبح واحباط لنمو التلاحم القومي السياسي، ودفعه نحو التطور والتقدم وهذا مانجم عنه تشرذم الحركة السياسية الكوردية. 
ما أود الإشارة إليه، هو هذه الولادات القيصرية المفتعلة المؤلمة، المثيرة للشفقة والإستهجان، هذا التكاثر المريع... أقسم أنه مدعاة للإشمئزاز والغثيان، تلك الانقسامات الخليوية الشاذة. تسر خصوم الكورد، وتلقى استجابة حسنة لديهم. 
وللحقيقة فإن ظاهرة التكاثر الحزبية ليست وليدة اليوم، بمعنى أن ظهورها، سبق ظهور الإدارة الحالية، لكن ثمة حقيقة أخرى وهي أن الظاهرة استفحلت بشكل متسارع، وخطير في ظل الإدارة الحالية، حتى بات ما يسمح لنا بوصفها بالجائحة، سيما ونحن أمام رقم يتجاوز /٨٠/ حزبا. هذا إذا صحت التسمية.
وهي جائحة مهددة للبنية الإجتماعية تزيده تشتيتا وتمزقا بسبب صراعاتها الداخلية والدائمة ضد بعضها بعضا، وجمودها وتبعيتها للخارج من جهة أخرى. 

إن مساحة منطقة الجزيرة، وعدد سكانها، لا يحتملان تأسيس مثل هذا الكم الهائل من  الأحزاب السياسية. إن دولة بحجم أمريكا فيها اربعة عشر حزبا بينما يهيمن حزبان رئيسيان على المشهد السياسي.
أكاد أجزم بأن بعض تلك الأحزاب ليس لها أعضاء، سوى من يسمى بالسكرتير، ولا أبالغ إن قلت لا برامج سياسية لها، وأن السكرتير لا يفقه لغة السياسة والدبلوماسية، ولا يعرف أن السياسة استراتيجيا وتكتيك، وعلم وفن سوى قول بعضهم أنها فن المراوغة والكذب. وأنها حديث السهرات المسائية .ولم يسمع جلهم  ببعض أمهات الكتب السياسية ككتاب الجمهورية لافلاطون والسياسة لارسطو، واللوياثان لهوبز، والعقد الاجتماعي لروسو، والأمير لميكيافيللي، وروح الشرائع لمونتسكيو والدولة والثورة للينين. 

هذه الأحزاب لا تعبر عن حاجة اجتماعية، سياسية طبيعية. إنها تجمعات مفتعلة تلبي ايديولوجيا حزبية مستوردة، وأفكار خيالية مشوهة لقيم شعبنا ومجتمعنا.
تمنع نموه بشكل طبيعي وسلس، وهو بدوره لا يستطيع الإنفلات منها. من خلا ل تلك الحلقات الأمنية المترابطة التي تتسلل عبر كل خلاياه، ومكوناته المؤسساتية. ومنظماته، وهيئاته. 
وبذلك يتحول المجتمع إلى آلة، في قبضة جهاز أمني محكم، لكل شخص أو هيئة دوره المرسوم والمكمل لحلقات أخرى، والذي يخدم الحلقة الأكبر والأوسع. والتيهي إحدى أهم خصائص الأيديولوجيات الشمولية. وفي الحقيقة قد تكون لهذه الأيديولوجيات فائدتها الظرفية، في تجييش المجتمع والتفافه حولها وتماسكه، لكنها على المدى الطويل تترك آثارا مدمرة، لا يحمد عقباها، مثلما حصل في الإتحاد السوفييتي سابقا، وكوبا وكوريا الشمالية، وإيران، ودول شرق أوسطية كالعراق وسوريا اللتان تبنتا، أيديولوجية حزب البعث العنصري. 
والملفت المؤلم هو تشدق تلك الأحزاب بملء فيها، بمفاهيم الحداثة والديمقراطية، ولغة الحوار وحرية التعبير والرأي، بينما كل ذلك منها براء، فالقول الفصل هو للديكتاتورية ولا أحد غيرها. 

أيها السادة إنه لمشهد درامي مؤلم، وتراجيديا حزينة قاتلة، وكوميديا هزلية ساخرة. ما نراه في جزيرتنا كارثة مجتمعية مرضية، يحز في نفسي هذا الانجراف والسقوط. 
شعوب العالم تبدع التكنولوجيا، ونحن نتهافت لصناعة الأحزاب وليتها كذلك. 
شعوب العالم تزرع الأشجار تنظم الطرقات تبدع الأفكار والفلسفات والقيم. 
والمتحكمون فينا يلهثون، لفبركة باراديغما حزبوية قزمة. ولا أدري ما هي معايير تأسيس الأحزاب وشروطه الدينا، هذا إذا إفترضنا وجودها. 
إن أفضل ما يمكن القيام به، من سياسيينا الكثر جدا هو تفكيك، أحزابهم الكرتونية، وحرقها، حيث يكفينا، أحزاب بعدد أصابع اليد الواحدة. وإن فعلوا ذلك سيكونون عندئذ قد أسدوا خدمة جليلة لشعبهم. 
بقناعتي أن خطورة فيروس هذه الأحزاب على المجتمع الكوردي، أكبر من خطورة فيروس كورونا. 
هذا الفيروس ما من شك أنه محلي الصنع انفلت من مختبرات مجتمع كورد الجزيرة، ونأمل قريبا أن يتم صنع الترياق المناسب المضاد والقضاء عليه بشكل مبرم، ودونما عودة. 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات