القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 483 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: لا، لن يغــــــادر الإيـــــزديون جبل ســــــنجار

 
الثلاثاء 04 ايلول 2007


الدكتور جاسم ألياس *
 
في ذلك المساء، مساء 14 آب، 2007، في منطقة سنجار في مجمع عزير، كر عزير، وقرية سيبا شيخ خدر، كان كل شيء يلوح كسابق عهده : الأزقة غير المبلطة، شحة الماء، ضآلة الكهرباء والخدمات الصحية، الفقر واستشراء البطالة. غير إن المواطنين في مناطق سكناهم هذه تكيفوا مع هذا البؤس الفاقع بعد أنْ جمح بهم اليأس وأسوة بالمواطنين الآخرين في جبل سنجار، لأربعة عقود يأتي المسؤولون ويذهبون وهم ما عليه من اتكاء على مفردات المطر والعشب وأشجار الجبل، إذا تقهقرت، تقهقرت رغباتهم العادلة والبسيطة في مواصلة العيش.


  في نيسان 2004، حين سقط الصنم في بغداد، فكروا إن الأمور ستتطور إلى الأفضل، أن قراهم ستبنى ويعودون من جديد إلى كرنفالات الحصاد، وأن أسباب العصرنة ستعمّ المجمعات، بعد أربع سنين ونصف لم يحصل هذا، لا يزال البؤس يلوّح بعصاه، ما جدوى الحرية إذن..؟ رغم هذا لم يتوقف الحلم، ما زالوا يحلمون بدور سكن مريحة وعمل يضمن لهم وقار العيش، بمسؤولين من الشعب وإلى الشعب، بأيام دون ندوات، فتجربتهم المريرة مع النظام الشمولي السابق جعلتهم كبقية العراقيين ينفرون من الشعارات، والعبارات الجاهزة، من هتافين يعرفون جيدا كيف يبدلون الأقنعة بتبدل الفصول، زهاء أربعين عاما استنتجوا إن من يتكلم كثيرا لا يعمل. في ذلك المساء كان ثمة شباب يخططون لأعراسهم ، لتكملة الدراسة، و ربما لعبور الحدود إلى برلين أو باريس، حتى في الأزمنة الصعبة تتفجر الآمال وتستمر دورة العمر. في ذلك المساء ايضا ، كان ثمة أمام قبلة الشمس شيوخ وأبيار يبتهلون في خشوع إلى الله أن يسبغ السلام على الأرض، أن يقي بني آدم الويلات،و يعلي الخير إلى فرسه ليعدوا ناثرا شآبيبه في الكون ، كانت تمتماتهم ذات النبرات الشجية تصدح بإنتشاء : " كلنا أخوة في عبادة الرحمن ". لكن بين فيض الأحلام هذه ودفء الدعاء، إذا بالأرض على حين غرّة تهتزّ، يكبو العالي سافلا، يهبط السافل غورا، تدوي أصوات رهيبة، أهي نهاية الأرض..؟ قبل سنين قال كوجك ( عرّاف ) إنّ نهايتها بعد الألفين بقليل، لحظتها قال آخر :" لا لم يحن الميعاد بعد، أنهم الأشرار ركبوا الشر "، فاق خليل من غيبوبته متلفتا حواليه، نهشه الذهول،، بيته يعلو بعضه، يسحق من فيه، صال وجال، استنجد بالجار تلو الجار، ركض في الزقاق، دار حول نفسه ، صرخ " يا عيدو.. يا محمود، يا خديدة تعالوا، أمي، أبي، أخواني تحت التراب "، من يجيب، خراب على خراب، سقط خليل لا حراك له، دحره الكمد، خليل زين الشباب هزمه الويل، ركضت ليلى الفارعة الطول، أصابعها البرونزية مطلية بالحناء، منذ أيام وهي تنتظر موكب العرس، سنتان هي مشدودة إليه، وهو محمول بها، ركضت كما لم تركض من قبل غزالة جموح، توقفت، جمح بها الذعر : " أين بيت محمود.. أين هو، ماذا جرى، ما لي لا أراه..؟ "، اخترقت كوم التراب، صدّها التراب، كانوا يحفرون، لاح رأس محمود تشوبه زرقة حادة، عيناه تنظران في تيه، ذات النظرات التي طالما كانت تدنيها إليه، نادته بأعلى صوت، رجته أن يفيق، ذكرته إن الهدايا وزعت على الجيران، خيمة الضيوف تنتصب في الزقاق، ورفيقاتها يتحدثن عن دبكة طويلة من خيط الصباح إلى قبة الليل، احتضنت وجهه : " أنهض يا محمود.. أنهض، الصباح قريب "، محمود حزمة صمت طويل، انهارت، ضمخت ضفائرها بالتراب، فاضت الدموع لتمتزج بأحلام تكسرت على بعضها دون رنين ، ركبوا بلاء الشر إذن، ركبوه في ذلك المساء على أربع عجلات معبأة. أسيرُ في زقاق كر عزير الطويل، خراب على خراب، ذات اليمين خراب، ذات اليسار خراب، وما وراءهما خراب ، سألت عن دار محمود، " إلى اليمين "، نظرت، كوم من أنقاض، " أين ليلى "، " لا تخرج من الغرفة، تهيل التراب على ضفائرها، يغسلونه، وتهيله مرة أخرى "، " وهنا سكن المعلم يوسف حامو، فقد أربعة وعشرين من عشيرة بينهم نجله الأكبر، الطالب في جامعة الموصل.."، أواصل السير، ويح الأشرار ارتكبوها من جديد في طقوسهم الدموية المتكررة، خمسمئة شهيد ومئات جرحى في مستشفيات سنجار، دهوك وتلعفر، أسر أبيدت، تلاشت كحفنة غبار. أسيرُ، شيخ في السبعين، يلقي نظرات طويلة باتجاه الركام، سلمت، تأوّه:" لماذا لم أقتل أنا الآخر.. ما جدوى العمر من بعدهم، لم يبق أحد، توكلي على الله.." لم أعرف ماذا أقول..؟ وهل تجدي الكلمات مَنْ فقد حلقات الأنس...؟ مَنْ في شتاء العمر لن يجد بعد الآن مَنْ يخفف عنه وحشة الشيخوخة..؟ !، في مجلس عزاء، هرع إلي يوسف، اعرفه من سنين رابط الجأش، يكدح شهرا أو شهرين في دهوك ليعود إلى زوجته وأطفاله الأربعة بأسباب العيش، بالخبز والحلوى والماء، حتى الماء يشترونه في كر عزير، أجهش في البكاء، : " كلهم ذهبوا، كلهم "، بكيت أنا الآخر، ماذا أقول مرة أخرى..؟ ودّعته بالحسرات، نظرتُ إلى التراب، كان هو الآخر ممتقع الوجه، كيف لا وهو لم يقبر القتلة، كيف يقبرهم، تسللوا جبناء في غدر وخديعة إلا فهو التراب الذي دحر حملات الأنفال في محيط ألف عام ونيف، آخرها في 1918 بين أقدام الجبل الأشم، إلا فهو تراب ملك وباراني، كرسي ودهولى ومئات القرى في سنجار، التراب الذي لم يساوم في يوم ما على الجذور، ماذا يريد أحفاد الطاعون...؟! هرعوا من جديد بعد زهاء قرن من الانكماش ، كأني بالتراب الطاهر كان يتساءل، فهو يعرف جيدا أن أبناءه الطيبين لم يبدأوا أية حرب ضد الحكام، ضد أحد، ما للايزديين، بل، ما لكل الأخيار والحروب، والقتل، والدماء، إنها تحرق الحرث والنسل، توصد الأبواب في القلوب وتشل جمال الحياة، الايزديون ينفرون من العنف، ليس في نصوصهم المقدسة نص واحد يدعو ولو لقتل حشرة ضارة، بيد إن أشباه الرجال اللامنتمين إلى أية قيمة إنسانية حاصروهم بالموت، صمدوا، نافحوا عن الجذور وعقد لهم لواء النصر، أخرجوا الأغوال من شعاب الجبل، ومن أنفاس الأجداد العالقة بأغصان السرو،عقد لهم لواء المجد لكن عبر مواكب الشهداء، لا ينسى التراب آهات الحوامل نحرن على شبا الحراب، صرخات الأنفاس أجهضوها بالدخان في الكهوف، والأسيرات الصبايا والفتيات يعرضن في أسواق النخاسة في الموصل، وحلب في اسطمبول وديار بكر، يعرف التراب كيف في حملتين فقط خسر نصف مليون من الشباب والأطفال، النساء والرضّع الرجال والكهول، في حملتين لا غير، في مجزرة كوري كورك، أوائل القرن السادس عشر في شمال جبل سنجار، وفي مجزرة مير كور، 1831 ، في سهل حرير والشيخان، الايزديون صناديد لكن مع السكينة والأمان، لم يسألوا السلاطين والولاة، وعاظ السلاطين والمرتزقة غير إن يدعوهم في سلام في قراهم مع مفردات الطبيعة يستثمرونها لأجل البقاء، لم يطالبوهم بحقوق المواطنة، بمشاريع الأعمار، بالمدارس، بالمستشفيات، بتكافؤ الفرص في وظائف الدولة في حين كان ملوك أوربا في ذات الحقبة ينشرون هذه المباهج بين شعوبهم ، ويح أولئك القساة، عراة الضمير استنزفوا ملكاتهم العقلية وثروة الشعب في متعهم الخاصة، في كيفية ( هداية) الايزديين وبقية الأقليات الدينية ( الكفار ) بدل استنزافها في جبهات القتال ضد الفقر والجهل والمرض، وكان الأجدر بهم أن يحرروا عقولهم من المنحدرات القميئة وأن يهدوا ذواتهم إلى أسس العدل والحق، أي ظلم فادح كان قد سلّطوه على الشعوب..؟! لا تريد من الحكام غير صلة الود، ويرفضون ، لاتطالب بغير الوئام ويطالبونك أن تجاريهم في ما هم عليه من دين، مذهب أو فكر كأنهم أوصياء على الناس يمتلكون الحقائق كاملة أو ينتهي بك الأمر إلى القتل أو التشريد، كيف يقبل بهذا الضيم الأحرار، وما قيمة المرء إن خسر نفسه..؟ هذا تماما ما خبره الايزديون، الكاكئيون، الزرادشتيون، الشيعة، العلويون والدروز. في جميع حملات الإبادة، وضع القتلة الايزديين أمام خيارين : التخلي عن دينهم أو الحرب، وعرفوا أنهم لن يتخلوا، وأنّ الحرب لا مناص منها، وهو مأ أزمعوا عليه لتوفر لهم تلك الحروب وسائل الإثراء عبر سلب ممتلكات الكادحين وصرف أنظار المواطنين عن سوء إداراتهم، أوغاد توخوا من تلك الحروب مكتسبات اقتصادية وسياسية، سلكوا الطريق الحرام والخلق الحرام لأجل المال الحرام. وكما أوقنوا , رفض الايزديون النكوص عن خارطتهم الروحية لما أنسوا فيها من لطائف الإيمان و طمأنينة النفس، والإنسان هو ما يفكر، صمدوا، انتصروا، و خرجوا من أتون المجازر منهكين لكن معهم شخصيتهم التراثية، بيارقهم، رموزهم وطقوسهم ، خرجوا أقوياء صلبي الإرادة، لا يساومون على المبادئ، مثالان فقط لا غير من بين المئات : أسّر محمد كور على بك الكبير في حملة إبادته السيئة الصيت،1831، ضد الايزديين أبناء جلدته. في راوندوز قال له " حيف أن تقتل وفيك هذا النبل وهذه المهابة ، أسْلم وتعيش.."، ابتسم علي بك، أمير الايزديين حينها، وهو يقول : " لأجل حفنة دم لا أترك ديني " قال مير كور " ستقتل، أطلب ما ترغب... "، قال " لو تهيئ لي فرسا لأوان "، " آتوا بفرس .."، أمر مير كور، إعترض مرافقوه : " سيهرب سيدي.."، " لن يهرب، هؤلاء لا يخونون العهد حتى في لحظات الموت "، إنطلق علي بك بالفرس، أطلق عنانه وعدا فراسخ من راوندوز، غابت عنه المدينة ووجه قاتله، ثم استدار، رجع الفراسخ بذات السرعة، في ديوان الموت، دهش الحضور سوى مير كور، سلّموه للرصاص و أمتزج دمه بأعشاب كوردستان. في مساء ما من 1988، في قلعة دهوك مع المؤنفلين ، أقترب ايزدي من جبل سنجار من حارس الباب، حدّثه باللغة الكوردية ملتمسا أن يأذن له بزيارة صديق له في دهوك، تردد الحارس : " كيف أضمن رجوعك، سيعدمونني إن هربت "، " لك بختي أن أرجع.."، فتح الباب خلسة وانسل السجين، في بيت صديقه، قال له الأخير : " بعد ساعات سأذهب بك الى مكان خفي وتبقى فيه الى أن تهدأ الأمور، فنحاول عن طريق أصدقائنا في بغداد إنقاذك، إن رجعت إلى القلعة ستقتل حتما مع الآخرين.." ، قال " سيقتلون الحارس إن لم أرجع، سأرجع حتى وإن أعدموني، كيف يقتل بسببي، عيب، أعطيته بختي "، رجاه صديقه أن يعيد النظر في موقفه فالمسألة مسألة حياة أو موت، وسيفهم الشرطي موقفه ويخبر السلطة " أنك هربت من دون علمه "، لكنه أصر على الرجوع، ودّع صديقه، في هزيع الليل اقترب من باب القلعة ودخل، شكره الحارس على التزامه العهد، أنسل إلى قبوه، لم يره أحد فيما بعد، غيبه القتلة عن الدنيا في حفرة ما مع أبناء كوردستان، الايزديون مبدئيون، ثمة بالطبع استثناءات، الحديث هنا عن القاسم الثقافي المشترك في مجموعة بشرية ما، كل الباحثين الذين كتبوا عنهم أجمعوا على جنوحهم إلى السلم، الوفاء، الصدق، الشجاعة , والمبدئية. ومما لا مراء فيه، شكّل انتصارالايزدية على حملات الإضطهاد والإبادة تلك، إنتصارا للكرة الأرضية في صراعها ضد الشر ، للمعقول ضد اللامعقول، لجذور كوردستان الممتدة من وادي لالش إلى درّة الشمس، ولحضارة الرافدين التي نقلوا إشعاعاتها الروحية إلى هذا القرن . والآن بعد كل سلسلة الانتصارات تلك، وفي هذا الزمن الفسيح ذي المحاور المتعددة المضاد للبعد الواحد، وخاصة المتمحور حول الشر يحاول أحفاد الطواعين شن الحملة الثالثة والسبعين ضد الايزديين، بئس ما يفكرون، لن ينكفئوا إلا على العار أمام تمسك الايزديين النزيه لا طمعا في الجنة ولا خوفا من النار بعبادة الله الرحيم لا شريك له منذ أربعة آلاف عام، أمام شغفهم بالحياة ، الويل لهم، منذ أشهر بدأوا حملتهم تلك ضدهم ، في آذار المنصرم أصدروا بيانا أغلظوا فيه الأيمان أن " يسيلوا انهارا من دمائهم النجسة "، وفق تعبيرهم المريض، لم يحنثوا اليمين، قتلوا أربعة وعشرين عاملا منهم في الموصل، شرطيين ، فأربعة آخرون قبل أسبوعين على طريق كركوك- بغداد رجما بالحجارة وبين ابتهاج الحضور، ضحايا الجهل، فآخر قبل ثلاثة أيام، الموصل منذ أشهر موصدة أمامهم ، خرج منها، الطلبة، العمال، أساتذة الجامعة، والموظفون، ثم ارتكبوا جريمتهم الشنعاء في القرى المنكوبة الثلاث، كل ذلك بعد أن اتخذوا رجم فتاة بحزاني على يد غوغاء ذريعة تنفيس عن حقدهم الدفين إزاء أتباع الدين الايزدي، زعموا أنها رجمت لأنها اعتنقت الإسلام وهو ما لم يحصل، قتلت انسياقا وراء ما يسمى غسل العار السيئ الصيت، واستنكر حينها الايزديون بقيادتهم الدينية العليا الجريمة الفظيعة تلك، ذريعة لا غير، يبحث عنها، التكفيريون الإرهابيون ضد شعب العراق المسلمين منه وغير المسلمين، ضد كل الأديان والمذاهب، ضد الأحزاب، ضد الإنسانية جمعاء ضد شعوب كل القارات، هم في مستنقع وفي مواجهة البشر أجمعين، سيندحرون، أيّة كائنات هذه ترى في قتل الناس توطئة لدخولهم الجنة، لن يدخلوها مطلقا ثقة إن الدّيّان أعدها لعباده المؤمنين، سعاة الخير في الأرض، ثقة أنهم ليسوا من قيم السماء والأرض بصلة، من الإسلام بصلة، الإسلام وبقية الأديان لا تبيح إهدار دم بريء فكيف أذا كانوا يسفكون كل يوم دم رضيع لامس وجه الأرض لتوه، أو دم أم أمضت كل حياتها في استنهاض الفضيلة وبثها في المحيط الذي تعيش فيه، هؤلاء القتلة لا يصنفون حتى ضمن الوحوش الكاسرة، هذه تفترس بفعل عامل الاضطرار، الجوع، وتألف الإنسان حال انتفائه ، وهم لا يألفون غير الشر بعد أن قيدتهم الجهالة الجهلاء، وبين مخالبها خسروا التخيل والتصور، ومعهما الأفق الرحب، فمُسخوا أوبئة لا تستريح إلا بين دماء الإنسان، أشرار يتلقون الشر في حلقات أشرار ، الشر، يقول أرسطو، لا يولد طواعية، كائنات خرافية، قاتلة و طارئة على كوكبنا، الآن في القرن الحادي بعد العشرين حيث تتواصل حلقات الأرض مع بعضها البعض يفكرون في إبادة الايزديين..؟ هل تصورت القوى التي تساندهم هروب الايزديين من الجبل خوفا من جرائم مماثلة فيتكيّف تطبيق المادة 140.وفق رغباتهم.؟! كيف يقفون ضد إرادة أغلبية الايزديين المطلقة في جبل سنجار مع أغلبية بقية الكورد المطلقة أيضا فيها في الانضمام إلى إدارة إقليم كوردستان جراء الانتماءين العرقي، كونهم كوردا، الجغرافي، كون الجبل يقع ضمن جغرافية كوردستان العراق، وجرّاء ما سيترتب على الانضمام من تطوير للمنطقة..؟ جهلة بكثافة لا متناهية، الذين لم يهربوا في اثنتين وسبعين حربا ودون نصير لن يهربوا في الحاضر ولا المقبل وكل كوردستان معهم، كل العراق، كل أحرار العالم، الذين لم يساوموا في الماضي لن يساوموا الآن أو غدا لأن الأفكار الثابتة تنتج ذات المواقف ، الايزديون لم يساوموا على الجذور حتى في أيام النظام الدموي السابق ، صحيح رُّحلوا عن قراهم غير أنهم أصروا على البقاء في محيط الجبل، حين سألهم النظام بعد انتفاضة 1991، بالتهيؤ للتهجير إلى صحراء الحضر، أخبروه بوضوح أنهم لن يغادروا وسيقاتلون" إلى آخر حجر في دير عاصي.."، تراجع النظام، قهقره شوقهم إلى الحرية، قهقرته جبال كوردستان أمامهم ومعهم ووراءهم، أفالآن يتراجعون..؟! في مجلس عزاء في سيبا شيخ خدر، قال مسّن للمجلس الايزدي الروحاني الأعلى، كنت أصغي بانتباه، " عمرنا مضى، لكن لن نترك الجبل، فقط أعطونا السلاح ونحمي الأرض.."، في مجلس آخر، قال رئيس العشيرة " ما فات فات، نقلق على الآتي، نريد السلاح، نحن مع كوردستان، مع قيادة البارزاني، يعرف ذلك الجميع، لكن نريد السلاح، ولن يجرؤوا مرة أخرى على الاقتراب منا " . وفي ذلك المساء الدامي، بعده وإلى هذه اللحظات يسأل المواطنون في منطقة سنجار، في القرى المنكوبة بالذات، كيف تسلل الإرهابيون إليهم..؟ كيف تمكنت أربع ناقلات موت عبور نقاط التفتيش..؟ كيف لم تتخذ محافظة نينوى الإجراءات الرادعة لحماية المنطقة التابعة إليها إداريا والايزديون مهددون منذ اشهر ..؟ كيف لم يتخذ المسؤولون في مركز قضاء سنجار وفي المجمعات شمال وجنوب الجبل ذات الإجراءات ، وخاصة أنهم أخبروا ساكنيها باتخاذ الحيطة والحذر إزاء عمليات إرهاب محتملة، لماذا تحصّنوا هم في دوائر ومقرات تحيطها سواتر من تراب تحول بينهم وبين ألأشرار ، إجراء مشروع، و تركوا المجمعات العشرين ومدينة سنجار دون مثل هذه السواتر، إهمال واضح، وكان من السهولة بمكان أن تنجزها جرافات وبمعدل يومين لكل مجمع، لو وجدت هذه الموانع لانتفى وقوع الفاجعة دون شك، لو يحرص هولاء المسؤولون حقا على راحة الشعب فعليهم أولا أن يحموا الشعب، ثم يحموا أنفسهم ما دام الإرهاب يطول الجميع وليس القادة والمسؤولين فحسب. في عام 1974 بعيد اندلاع الحرب في كوردستان، اقترح صحفي أجنبي على البارزاني الخالد أن يهيئ له قناعا ضد الغازات السامة، رد عليه " : حالي حال الشعب،متى توفر لكل واحد منهم قناعاً، أكون آخر من يستعمله "، وأقترح صحفي آخر على السيد رئيس الإقليم مسعود البارزاني في الثمانينات في ثورة كولان ذات الإقتراح وتلقى ذات الرد . ألم يكن مجديا لهؤلاء المسؤولين أنْ يقتدوا بمختار قرية سينو الواقعة في المنطقة، أستنهض الرجل همم عشيرته، وتآزروا في بناء سور ترابي حولها، وبذا أمن مواطنوها ويل المفخخات، لماذا لم يمدد المسؤولون في مركز القضاء، قضاء سنجار، المناطق المنكوبة بالمواد الغذائية العاجلة فورا، وهي ضروريات توزع حالا في كل أنحاء العالم في أوقات الكوارث، كيف يستطيعون أن يقودوا قضاء إذا كانوا يعجزون أن يسعفوا المنكوبين بالمواد الأساسية في غضون أربع وعشرين ساعة.. أين هي القيادة إذن ومتى تكون إن لم تكن في وقت الأزمات...؟! حتى 17 آب، ثلاثة أيام بعد الفاجعة، لم يتسلم المنكوبون أية مفردة من تلك الضروريات من المصادر الحكومية والحزبية في مركز القضاء، هل يحسن هؤلاء المسؤولون فقط مراسيم الإستعلاء على الفقراء بمواكب الحماية ودوائر الأستعلامات والخيلاء الأجوف (لا بد من تشكيل لجنة تحقيق للنظر في أسباب الإهمال هذا ) . وأخيرا إذا كانت القوات متعددة الجنسيات والعراقية عاجزة عن حماية الايزديين الساكنين في منطقة سنجار، أليس من واجب حكومة الإقليم أن تضطلع بالأمر وليغضب من يغضب ..؟ وإلا أي عراق هذا يقتل فيه المواطن على الهوية ولا تحميه السلطة المركزية ..؟ لتتسلم حكومة الإقليم ملفها الأمني ولتستقبل سنجار الصابئة والمسيحيين المضطهدين في وسط وجنوب العراق مثلما استقبلتهم دهوك، أربيل والسليمانية إلى حين أنجلاء الغمة، إن الأرض رحبة وقلوب سكان الجبل بشتى أديانهم رحبة تسعهم كما وسعتهم في أوائل القرن العشرين حين آوى مئات الأرمن الهاربين من محرقة الأناضول. وزيادة، زار الدكتور برهم صالح، رجل الدولة الكفوء والقريب من الناس، المنطقة وأظنه وهو اللبيب أنتبه إلى الفقر الضارب أطنابه حواليها، وأظنه أدرك جيدا انحطاط البنى التحتية فيها، شكرا لتبرع الحكومة المركزية من خلاله بمبلغ معتبر لذوي الشهداء والجرحى، هذا لا يكفي، إنه مطالب مع بقية أعضاء مجلس الوزراء وفي المقدمة السيد رئيس الحكومة نوري المالكي بوضع خطة أعمار إستراتيجية لكل المجمعات في منطقة سنجار تتوفر فيها مستلزمات الحياة العصرية : في كل مجمع مستشفى سريري، مستوصف بيطري، مدارس، متنزهات، روضات أطفال، مكتبة عامة، دائرة بريد، طرق داخلية مبلطة ومشجرة، مشروع إسالة ماء وكهرباء، ناهيك عن هذا، مطالبون بإعادة بناء القرى المهدمة ، وتكملة مشروع ري الجزيرة الذي توقف في أيام النظام السابق عند حدود ربيعة، وتكملته كفيلة بأحياء الزراعة جنوب السهل الفسيح الممتد جنوب الجبل والمعتمد على الأمطار وما سيتفرع عنها من تحسين مستوى المواطنين المعيشي، خمس سنين من غض النظر تجاه منطقة سنجار، ألا يكفي..؟ ، كيف يشعر المواطنون فيها بمزايا العهد السياسي الجديد في العراق إنْ لم بزحف إليها المشروع الحضاري..؟! في الرجوع من كرعزير وسيبا شيخ خدر ، صاحبتني وجوه المنكوبين، آلامهم الطافحة، آثار الأنقاض التي أجهضت رغبات وأماني مئات الأسر، صاحبني ذلك الشيخ في الثمانين يردد في حسرات قاتلة أنهم لم يروا يوم راحة في حياتهم، حامو، يوسف، ليلى والمئات سيعيشون الألم الكبير، يحترقون به كل يوم، يتنفسونه، يحاورونه حوار القامة للظل، الألم الكبير الممض سيبقى معهم في النهوض والقعود، ليس لهم خيار سوى جيرته، ومع الجيرة يطفح الكمد والغضب، ثم يخبو ويطفح من جديد تماما مثل أقرانهم في الرزايا والويلات في حلبجة، قرى الأنفال، سوق الحلة، الشورجة، وأزقة كركوك، ئامرلي وتلعفر، في هيروشيما وجبال كرميان. أبك يا وطني الحبيب ماذا يفعل بك الأشرار ، لماذا يشقى الناس بين رافديك..؟ أهذا هو حصاد الفقراء والمقهورين..؟ أهكذا كتب عليهم أن يحملوا الصلبان أبد الأبيد كأن البؤس لا يكفيهم ، فيهرع إليهم الموت غزيرا، غزيرا كالطوفان ..؟ لكن، لا، لن يغادر الايزديون جبل سنجار ، باقون، إرادة الحرية هي الأقوى، معهم قلوب الناس في كوردستان، في الأهوار، في كل العراق، معهم قلوب الأحرار في العالم،، فالجرح الإنساني واحد، ظلم يحيق بجزء من البشر، يحيق بالإنسانية جمعاء.

Jasimmurad@yahoo.com 
* وزير سابق في حكومة اقليم كوردستان

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات