القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 265 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي




























 

 
 

مقالات: اقتصاد تركيا ما بين الركود والانهيار

 
السبت 15 ايلول 2018


خوشناف سليمان

خسرت الليرة التركية نحو 40 في المئة من قيمتها مقابل الدولار هذا العام، وهو دليل واضح على وجود أزمة بنيوية في إقتصاد البلاد، التي تزداد تفاقماً مع تثبيت نهج اردوغان المبني على منطق الاستبداد السياسي. تتجلى الأزمة في تدهور واختلال المؤشرات الإقتصادية الأساسية، من أبرزها إتساع العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ومعدلات التضخم العالية، التي تجاوزت 18 في المئة، وإرتفاع معدل البطالة إلى نحو 20 في المئة، وزيادة وتراكم ديون الشركات بالعملة الصعبة إلى أكثر من 200 مليار دولار، وإنخفاض القوة الشرائية للأفراد بعد قيام الدولة بطبع المزيد من النقود الورقية وإنفاقها على مجالات غير إنتاجية. فأزمة الليرة، على خلاف الرأي السائد، جاءت كنتيجة لخلل بنيوي في الإقتصاد، وإنعكاس طبيعي لإجراءات اردوغان اللاعقلانية، المتمثلة في تقويض إستقلالية البنك المركزي وممارسة الضغوط عليه، التي أضرت في المحصلة النهائية بعملية التنمية الاقتصادية. كل ذلك أثار حالة من القلق والريبة بين المستثمرين والمتعاملين في سوق المال وزعزعت ثقتهم بقوة تركيا الإقتصادية.


في نهاية عام 2017، كان لقرار تخفيض معدلات الفائدة أثر إيجابي، انعكس في زيادة وتيرة النمو، وخاصة بعد زيادة وتوسيع الانفاق الحكومي ومنح قروض مدعومة من الدولة، والتي تركزت بشكل اساسي في قطاع البناء. فيما بعد تبين انه كان نمواً مصطنعاً وغير مستدام، سرعان ما أنكشف أمره وبات بمثابة إضرام نار في كومة قش محترقة، لم يبقى منها سوى الرماد. وعليه لا ينبغي الإنخداع بظواهر الأمور. فرغم النمو القوي وأرقام الصادرات الإيجابية، بقي الاقتصاد التركي في دائرة الشك، يعاني من تدهور المؤشرات الاقتصادية الآنفة الذكر. ومن ثم جاء قرار واشنطن برفع الرسوم الجمركية على استيراد الفولاذ والألمنيوم التركي، وكان بمثابة قطرة الماء، التي تحولت إلى سيل جارف. على هذه الخلفية وبفعل الضبابية التي تكتنف السياسة المالية للحكومة، يتواصل مسلسل هبوط الليرة التركية مقابل العملات الرئيسية نحو الحضيض.
تركيا اليوم هي في حالة سباق مع الزمن، فالمستثمرون الأجانب عقدوا العزم على سحب أموالهم وإخراجها من البلاد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن يستطيع الإفلات يلوذ بالفرار ولا أحد يريد أن يصبح لقمة سائغة للمتربصين. في مثل هذه الحالة، لا يلعب المنطق الإقتصادي سوى دور ضئيل لا يكاد يذكر. كل ذلك وضع البلاد أمام مأزق حرج للغايه، ليس له مخرج سهل ولا حلول سحرية. في هذا الإطار، هناك من يراهن على إمكانية إنجاز الإستقرار الإقتصادي، مجرد قيام البنك المركزي برفع سعر الفائدة بشكل حاد، وذلك للحد من هروب رؤوس الأموال ومكافحة التضخم. لكن هنا بالذات تكمن الإشكالية، لأن أضرار الزيادة تفوق فوائدها وستزيد من تكلفة إقتراض الحكومة من البنوك. من الوارد أن يساهم رفع معدلات الفائدة في تحقيق إستقرار مالي مؤقت ونسبي، ولكنها في الواقع تحمل في ثناياها مخاطر جسيمة، قد تدفع إقتصاد البلاد في النهاية إلى الإنزلاق نحو دائرة الركود.
إجمالاً يمكن القول، أن التصدي أو معالجة الأزمة لا تتم بمجرد تطبيق سياسات نقدية صرفة، حيث يعتقد الكثيرون من خبراء الإقتصاد، أن أوضاع تركيا الإقتصادية قد وصلت إلى حالة يمكن وصفها بالمعضلة، كلما تم معالجة أمر ما، تضررت أمور أخرى كثيرة. فتركيا تمر حالياً في مرحلة حرجة وتواجه تحديات باتت تمثل تهديدا جديا قد تسبب في نهاية المطاف بحدوث إنهيار تام لإقتصادها. في هذا السياق هنـاك من يبالغ فى تضخيم حجم وقوة تركيا الاقتصادية، ويبررونه بصلات بنوكها مع مثيلاتها في بعض الدول الاوروبية، والتي قد تلحق الضرر بالنظام المصرفي أو تفضي إلى نشوب إضطرابات مالية في منطقة اليور، وخاصة تلك البنوك، التي تعاني من صعوبات في سداد قروضها باليورو. لذا تقتضي مصلحة تلك الدول منع حدوث إضطراب أو إنهيار إقتصادي لها، وتمارس ضغوطات كبيرة على اردوغان وتطالبه بضرورة إجراء تغييرات جذرية، وفي حال رضوخه، سيكون بمثابة ضربة قاسية لمصداقيته وشعبيته. ومما يجدر الإشارة إليه هنا، أن لبنوك أكبر إقتصاد في منطقة اليورو، أي ألمانيا، ليس لها حضور قوي هناك، فعلى سبيل المثال، لم يتجاوز حجم صادراتها إلى تركيا 20 مليار يورو سنوياً، وهو مبلغ كبير نسبياً، ولكنه يمثل 1.5% فقط من إجمالي الصادرات الألمانية. وعليه فأن الأزمة الناشئة في تركيا لا تمثل تهديداً مباشراً بإحداث ركود إقتصادي في تلك الدول. وفي حال حدوثه سيكون عامل إضافي إلى جانب عوامل الضغط الأخرى مثل البريكسيت والحرب التجارية الأمريكية.
على هذه الخلفية السياسية والاقتصادية المضطربة، تأتي زيارة اردوغان إلى ألمانيا في نهاية الشهر الجاري، الذي سيحاول من خلالها إسترضاء الجانب الألماني وكسب وده وإقناعه للحصول على مبلغ مئة مليار دولار. وهو مبلغ كفيل بتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. ومما لا شك فيه، وفي حال التوصل إلى إتفاق، فأن ألمانيا ستقوم بفرض شروطها، وفي مقدمتها أن يتعهد الرئيس التركي بالإلتزام بتحسين التعاون وبإجراء تغييرات سياسية لازمة، بما في ذلك الإمتثال للمعايير الديمقراطية والدستورية.
الحقائق الواردة أعلاه تشير بكل وضوح، إلى أن سياسات اردوغان المختلة لعبت دوراً سلبياً في إشتداد الأزمة، وما إنهيار الليرة التركية وتدني قيمتها وتفاقم مستوى المعيشة وارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع والخدمات الأساسية، إلا تجليات واضحة لها. كل ذلك سيلقي في مرحلة معينة بظلاله القاتمة على حياة الناس بإتجاه تقليص مصدر رزقهم. حينذاك سيفقد "السلطان" مصداقيته، وستذهب تهديداته الفارغة ومحاولاته في إلقاء اللوم على الخارج أدراج الرياح، وهو لا يملك في الواقع خيارات أخرى سوى إجراء تغييرات جوهرية لسياسته العدوانية المتعلقة بالقضية الكردية، وتصحيح مسار سياساته الخارجية المتناقضة في التخبط في الإنتماء إلى المعسكر الغربي والإنفتاح على روسيا وايران، كما أنه لا يملك خيار آخر سوى إتباع العقلانية الإقتصادية للحد من تنامي التحديات، التي تدفع البلاد إلى حافة الإنهيار.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات