القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 326 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: دلجار سيدا: قيادة القطب الثالث في العالم* في الغياب الصاعق للشاعر والكاتب والمترجم محمد زكي محمد

 
الثلاثاء 17 نيسان 2018


إبراهيم اليوسف
 
ينتمي دلجار سيدا- محمد زكي سيد أمين1972-2018- إلى ذلك الجيل من شبابنا الجديد الذي جمع بين قيم الأصالة والحداثة، في فكره، ورؤاه، في هذا الزمن الذي انقلبت فيه المعايير والموازين، وباتت الهشاشة، تنخر، بل تغزو المنظومة القيمية العامة، على نطاق واسع، حيث نجد سقوط وتهافت أوساط واسعة وراء ما هو استهلاكي عابر،  ما جعل أمثال دلجار يمثلون أنموذجاً مائزاً  بيننا، واقعاً وافتراضاً، ولعل هذا الأنموذج الأكثر حماساً للقضايا العامة، في الوقت الذي يهرول فيه مجايلوه وأنداده وسواهم، نحو ما هو فردي، كما تقتضي ذلك طبيعة مرحلة الكوكبة التي نعيش تفاصيلها، بل نذوب في هذه التفاصيل، إذ إن توسع دائرة التفاعل، بعد كسر الحدود، والحواجز، بات يقود كثيرين إلى الغرق في الذات، بدلاً عن الارتفاع على سلم الشأن العام، اجتماعياً، أو وطنياً، أو إنسانياً.


لن تفي هذه المقدمة ما هو مرهون بها، في ما لو لم أقارب بعض جوانب شخصية دلجار، وكما عرفتها، معتمداً على منجزه الثقافي والأخلاقي والنضالي- من جهة- وعلى محيطه الاجتماعي الذي أعرفه، من جهة أخرى، وكانا بعض دواعي معرفتي به، عن بعد، وعن قرب، لأرى فيه إنساناً مائزاً، يمتلك كل تلك المقومات التي تجعله يستحق التقدير، والاحتفاء، والاهتمام، لاسيما إذا وضعنا أمام أعيننا المشهد العام الذي آلينا إليه، وجعلنا نتفاجأ يومياً، بل نفجع، بوجوه كثيرة علاقتها بالقيم الحياتية والنضالية، وحتى الثقافية، ليست إلا سياحية، عابرة، بالرغم من هالات الزيف التي يحيط بها بعضهم ذواتهم، بما يجعلنا نندم على الوقت الذي أوليناه، أو نوليه لنماذج من هؤلاء، وهم إذا كانوا يمثلون الوجه السيء في مجتمعنا- ولابد من أن نعترف أن بين ظهرانينا سيئين أيضاً ولسنا مجتمع ملائكة- إلا أن بيننا أمثال دلجار، ومن يشبهونه في الكثير من الخصال، وهوما يجعلنا نتفاءل بأن ما يبدو من فقاعات في حياتنا إنما هو نتيجة قراءاتنا لمرئيات وسلوكيات دورة الزمن، في إحدى محطاتها العابرة.
وإذا كنت قد لجأت إلى هذه المقدمة وأنا أكتب عن أنموذج الإنسان النقي الذي لم يتأثر بهذا التلوث العام الذي يكتسحنا، لاسيما في فترة ما بعد الحرب، فلكي أبين أن هناك من يظل وفياً للقيم الأصيلة، لاسيما عندما يكون ابن بيئة تحضُّ على الأخلاق الرفيعة، من دون أن يتأثر بكل هذا الطفح والفقاعات العابرة التي تقدم لنا نفسها، بألوانها الطيفية المختلفة، كنتاج ثقافة تكاد تهيمن على مشهدنا العام، انطلاقاً من طبيعتها التي تكتنز دواعي العيش في هكذا بيئة مستنقعية، وهوما علينا الإقرار به، وكيف لا؟، إذ لطالما نتفاجأ بقوافل اللصوص، والفاسدين، ومن يمتلكون القدرة على إلغاء الآخر، واجتثاثه، نتيجة عقدة نقص، أو بسبب وقوفه حجرة عثرة أمام طريق تحقيقه لنزواته العابرة.
أمام مشهد ممتلىء بالتناقضات، يمكنني استقراء وتقديم شخصية دلجار، وهو الشخص غير العادي الذي طالما آلمه أنه لم يتابع دراسته، وصار يعوض عن ذلك بعصاميته العالية ليكون من عداد المثقفين الذين يكتبون بلغة كردية تحقق سويتها العالية، وليكون معلماً لها ضمن دائرة مكانه، ومدوناً بها، وناشراً لها، محافظاً على معادلته الاجتماعية، في علاقته بالمحيط الذي راح يوسعه- لاسيما في الزمن الافتراضي- وليكون فوق كل هذا صاحب موقف، مستوعب لمن حوله في اختلاف رؤاه أو رؤاهم، في مواجهة كل السدود الموضوعة، والتي باتت تتفاقم، وفي هذا ما ينم عن مدى شساعة روحه المستوعبة للآخرين، بما يدعوني للجزم، بأنه لم يكن ليحقد حتى على عدوه، على النحو الثأري، المتفشي، وفي هذا أعلى مراتب الحلم، والحكمة، والحنو الذي استشففته في شخصيته، بالرغم من تواصلنا المتقطع- وهنا فإنني لألومني على هذا التقصير- فقد قال لي في إحدى رسائله الأخيرة إلي: أأنت زعلان مني عمو؟، وأرسل إلي قصيدة له مكتوبة باللغة العربية، مستدركاً: لقد كتبتها، مع أني لا أكتب إلا بالكردية، وأعترف أنني كنت مقصراً أمام فيض وداده ووده، نتيجة مشاغلي-وأية مشاغل؟- وواصل قائلاً، في هذه الرسالة الأخيرة: إني أقدر مشاغلك، وهوما أحزنني أكثر، لأنني لم أخصص له وقتاً أكثر، كما كنت أفعل من قبل؟!
فاجأني دلجار أكثر من مرة، بترجمة قصائد لي، ومن بينها قصيدة "شنكالنامة" ونشر بعض هذه الترجمات في موقع ولاتي مه، على ما أذكر، كما أنه اتفق مع الصديق صبحي دقوري على ترجمة كتابي السيروي"ممحاة المسافة"، إلا أن ذلك لم يستكمل-للأسف- لأسباب لا مجال لذكرها هنا، ولم يكن هو السبب في ذلك، كما تبين رسائلنا المتبادلة، إلا أن هذه الترجمة كانت أحد مشاريعه المستقبلية.
 ثمة جوانب كثيرة في حياة دلجار، قد لا أعرف عنها إلا مجرد رؤوس أقلام، من خلال من حوله، لأنه- على سبيل المثال- قلما تطرق إلى- حزبيته- إلا في إطار طلب تقويم موقف إشكالي، متقبلاً الرأي الآخر، بيد أنه شرح لي بعض معاناته: الظروف الاقتصادية القاهرة- البطالة- واشتغاله كعامل عادي- الأب المريض- الأم- الأطفال الثلاثة-الزوجة ومتطلبات تأمين سبل العيش، بعرق جبينه، في وسط هذا الأرخبيل، بالإضافة إلى أنه كان جد فاعل اجتماعياً، وسياسياً، يواصل الكتابة، والعمل الصحفي في أكثر من منبر يديره أو ينتمي إلى أسرة تحريره.
لم أرد أن أفصل في الحديث عن هذه المعاناة، لدواع كثيرة، إلا أنني عرجت عليها، لأبين أن هناك من يقرأ، ويكتب، ويمارس نشاطه العام: معلماً للغة، وكاتباً، وشاعراً، وصحفياً، وحزبياً، وعاملاً عادياً يعاني من وطأة البطالة، إلا أنه لم يتوقف عن الإنتاج وهولا يتمكن من إيجاد مكان أو طقس للكتابة والقراءة، إلا أنه لم ينحن، أمام كل هذه الظروف القاهرة وفي هذا ما يؤكد سمو روحه، وشموخه، ونبله.
معنيون جميعاً بشأن والديه :أطفاله وأسرته، مخطوطاته، تفاصيل مدونة سيرته، ومواقفه، وهوما ألقيه-أكثر- على عاتق محيطه- ولي ثقة بهذا المحيط- لأنه أعطانا جميعاً، بلا حدود، بلا مقابل، وبلا طلب منه، وبأعظم ما يمكن أن يعطيه امرؤ في سنه، كرس حياته لخدمة رسالته. إن تخليد ذكرى دلجار، كمثقف عصامي، مناضل، ورجل وطني، مبدئي، شهم، نبيل، لابد من أن تكون على رأس قائمة اهتماماتنا، منذ الآن، ومن هنا فإنني لأدعو إلى تخصيص-ملفات- عن عطائه الثقافي، بل وتوثيق هذه الجوانب من قبل المعنيين من حوله، وتخصيص جائزة باسمه تعطى في مجالات العناية باللغة أو الترجمة، وغيرهما...
واثق أن نتاج الشاعر، والكاتب، والمترجم، دلجار كانت ستملأ المكتبة، لو توافرت له الظروف المناسبة، فهو لم يهاجر لأسباب عدة: ارتباطه بمكانه، وبأبويه، وفي هذا ما جعلنا نخسر الكثير الذي كان منتظراً منه أن يقدمه لنا، بالرغم من أن ما قدمه- وهو عناوين- ليدل على شخصية هذا المناضل القدير، والنبيل، والأصيل.
*ثمة دعابات كثيرة في رسائل دلجار إلي، ومنها حديثه عن- القطب العائلي الثالث في العالم- ولهذا الحديث حكايته، أتمنى أن أتمكن يوماً ما، من الكتابة في ذلك، وغيره، وغيرهما، لتبيان مدى جمال روحه، وفرادته، وعلو قامته
** محمد زكي أبو أفين حزين عليك..حزين "لقد شل نبأ رحيلك قواي" كما حدث مع غياب الشيخ عبدالقادر..........

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.55
تصويتات: 9


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات