القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 283 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي




























 

 
 

مقالات: الليبرالي الكردي بين الطبال والزنجي

 
الثلاثاء 16 كانون الثاني 2018


ماجد ع  محمد

يُقال بأن من عادة كل تاجر انتهازي يود أن يستحوذ على حصص الآخرين في السوق ويسيطر بالتالي اقتصادياً على منطقة ما على حساب خناق باقي رجال الأعمال، اللجوءَ إلى مكانيزمات قميئة تقوم على حياكة المؤامرات بين الفرقاء والسعي الدؤوب للاشتباك الدائم بينهم، وذلك على أمل إبعاد خطر منافستهم له حتى يتصدر المشاهد الاقتصادية بيسر بعد إنهاكهم؛ وطبعاً بعيداً عن أية منافسة شريفة في حقل التجارة، والحاله نفسها قد تنسحب على الكثير من نواحي الحياة الأخرى ومنه الحقل السياسي، حيث أن مكائد بعض السياسيين قد لا تكون أفضل حالاً من مكائد السماسرة الجشعين من أهل السوق.


إذ أنه ومن خلال متابعة آراء الساسة وممارساتهم يظهر لنا بأن تصرف تحالف الديمقراطية والعدالة الذي يتزعمه برهم صالح هو قريب جداً من تصرفات التجار الفالحين بإشعال الحرائق في حقول المنافسين على أمل الاستحواذ لاحقاً على حصصهم أجمعين، وذلك بعد أن شَبع صاحب التحالف من دور المتفرج على أكبر نكسة حصلت في الإقليم أواخر العام الفائت، إذ بقي الرجل يناور ويماطل ويتملص ويختبئ خلف أصابعه علّه لا يُحسب على أحد من طرفي المعادلة، وبقي التحالف الجديد ومختلقه متلصصاً على ما يجري في الساحة الكردستانية، فلا بيّن عن رأيه صراحةً إن كان متوافقاً تمام الاتفاق مع رهط بافل طالباني أم لا، ولا عبّر عن ميله لحُماة مؤسسات الإقليم وناسه، إنما كان حاله كحال الأعرابي الذي فضّل الوقوف على جبل الحياد السلبي على أن يناصر بفخرٍ الإمام علي أو أن يُعلن ببسالة انحيازه التام لمعاوية، إنما اعتمد على فلسفة الذبذبة القائمة على استحصال الفوائد التي يبغي جنيها من الطرفين، والاستفادة بنفس الوقت من الصراعات المريرة بين الطرفين.  
أما ما الذي يربط الليبرالي المتحاذق بالطبال فلأن الطبالين إذا ما كان اتخاذ أي موقف سيكون له تبعات ما عليهم، فيكون حينها قرار عدم اتخاذ أي موقف شجاع من أية قضية أو مسألة من المسائل هو خيارهم الدائم، ويبقى تعويلهم بخصوص الرأي إذا ما كان فيه شيء من المسؤولية هو أن لا يكون لهم رأي؛ فالزئبقية واللاثوابت خميرة حياتهم؛ إلا أنهم إذا ما استشعروا ضعفاً في الذي أمامهم، أو تأكدوا بأنه ما من تأثير مباشر أو غير مباشر عليهم حين إظهار ما يكنونه، فيتكلمون وقتها بأي موضوع كان من دون حرج، وربما تجاسروا وردوا الصاع صاعين على الذين يُحرجونهم، ولكن بطريقة سلسلة غير فجة تدل على اجتماع شيء من الخبث بحس الفكاهة الذي يمتازون به؛ وجوهر ما يذكّرنا بقصة الطبال والليبرالي المتحاذق الذي نحن بصدده، هو من ناحية متعلق بموقفٍ هو قرين اللاموقف لذلك الليبرالي من مجمل الأحداث التي جرت في الإقليم، ومن ناحية أخرى بالكلام الذي وجهه أحد الطبالين لإحدى النسوة في محفلٍ اجتماعي في منطقتنا؛ حيث يُقال بأن أحد الطبالين كان حاضراً في مجلس من مجالس المنطقة وفي حمأة الجدال والمساجلات، ومن غير استئذانٍ أو إشارات تمهيدية أطلقت زوجة صاحب المنزل ريحاً من بطنها، ولتُبعد من فورها الأنظار عنها وتسوق بالتالي خيالات الحضور وانتباههم إلى أماكن أخرى، وتجعلهم ينسون الحادثة التي كانت أشبه بفاصل إعلاني فج، قامت على الفور بلطم ظهر ابنها بقوة قائلةً له: عيب يا ولد أن تقوم بهذه الحركات أمام الناس وفي حضور الآخرين؛ وبينما كان طبالٌ يراقب المشهد عن كثب فلم يتمالك نفسه حيال تصرف المرأة التي أرادت أن ترمي بتبعات تصرفها في ميدان الولد، فما كان على الطبالِ إلاّ أن يُدحرج جملته في الميدان والتي صارت فيما بعد أشبه بالمثل وهو يقول لها: سيدتي وهل بمقدور است الولد الصغير أن يُطلق ما أطلقه استكِ؟ إذ كما فعلت السيدة تلك لجأ الليبرالي المتحاذق إلى نفس الآلية، فبدلاً من أن يوبخ ذاته على تخاذله وتقاعس أمثاله من دعاة التنوير، اتهم حكومة الإقليم بالفشل الذي هو ربما كان من أوّل الساعين لإحداث ذلك الفشل، وذلك علّهُ يُظهر نفسه كخطٍ ثالث قادر على أن يكون المنقذ للإقليم في قادم الأيام.
عموماً فإن أبرز ما ذكّرنا بطبالي المنطقة هو ما صرّح به صاحب كتلة التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة المتودّد وفق ميزان الأرباح والمنافع إلى الراديكاليين والطائفيين أكثر من الديمقراطيين بالرغم من أن اسم كتلته تضمن ذلك المصطلح؛ ومعلوم لدى كل متابع أن هذا الليبرالي لم يخرج بموقف مشرف من كل ما قام به رهط بافل طالباني، وبدلاً من أن يناصر القيم التي يتفاخر بها وبالتالي يستحقر المباعين ويوبخهم على ما اقترفوه، بناءً على ما يمليه عليه المنطق وضمير اللّبرلة، حاول مراراً ومنذ ذلك اليوم المشؤوم أن يتناسى ما أقدمت عليه تلك الجوقة، بل ومن خلال مطمطة عباراته الخالية من أي موقف واضح حاول أن يخفّف الجُرم عن ذلك الرهط، وذلك بجعل الخيانة عبر إطلالاته على الإعلام وخاصة قناة العربية بأنها أشبه بوجهة نظر، كما ظهر بأن الرجل من فرط حصر التفكير بالمنافع والمناصب لا ينتابه أي شعور بالأسف حيال الخيانة الكبرى بكركوك في 16 من اكتوبر، والأنكى من ذلك كله أنه بدلاً من اتخاذ موقف مشرف من الخونة راح يُحمّل حكومة الإقليم مسؤولية الخراب الذي حل بالمدينة وباقي المناطق المتنازع عليها؛ وذلك عبر قوله "إن الوضع الموجود في محافظة كركوك والمناطق الكردستانية الأخرى خلال الفترة الاخيرة، يثبت وبوضوح الفشل السياسي والسلطوي للنخبة الحاكمة في كردستان"، متناسياً بأن الوضع التعيس لتلك المناطق كان من صنع أيادي الفريق الذي سلّم كركوك لبيادق قاسم سليماني في العراق، ومن كل بد أن تحميل ذلك الليبرالي حكومة الإقليم مسؤولية الخراب ليس أكثر من بابٍ منخفضٍ جداً من أبواب الاختباء والتهرب من المسؤولية التي تقع على عاتق أمثاله من جماعة مطلقي الشعارات الفضفاضة كالحرية والديمقراطية والعدالة وملحقاتها، وهو تملصٌ صارخٌ وتهرّبٌ سمجٌ من تحمُّل تبعات كل ما جرى بكركوك والمناطق الأخرى؛ وبدا جلياً أن ما قام به الليبرالي الحذق هو عين ما قامت به تلك المرأة مع ذلك الطفل البريء، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإنه من خلال الموقف الفوقي لليبرالي الذي يتصرف بتعالٍ أقرب إلى عنجهية سلطانٍ أو رأسمالي فاحش ومن خلال نظرة الاستعلاء لديه، يُخال للمراقب وكأن كل قادة حكومة الإقليم متخلفون وجهلة، وفقط هو ورهطه يليق بهم أن يكونوا من أهل الحكم والعلم، وذلك عندما يقول "هذا النمط من الحكم قد فقد مصداقيته بين مواطني كردستان والمجتمع الدولي ولم يبق له أي اعتبار معنوي وسياسي" حيث أن هذا التعالي الضمني يُعيد إلى أذهاننا قصة مثقف غربي مثله متكبر كان يتجول يوماً في القارة الإفريقية، ولأنه يرى نفسه على أنه من أهل العلم والمعرفة والرقي راح يستهزئ بزنجيٍّ رأهُ يقرأ، ولعل المثقف المغرور كان يتصور من جهة بأن القراءة حكر على أمثاله ولا تليق بهؤلاء الزنوج البائسون، ومن جهة أخرى حاول أن يُظهر احتقاره الخاص للكتب الدينية من خلال فوقية خطابه؛ ومضمون الواقعة أنه في واحدة من جولات الكشافين في أفريقيا، راح أحد المثقفين الغربيين في تلك الجولة يسخر من رجل افريقي بسيط رآه جالساً يقرأ، فاسترق المثقف النظر إلى الكتاب الذي يقرأه ذلك الزنجي، حيث تبين للسائح المتحاذق أن الرجل يقرأ من كتاب ديني؛ عندذاك قال المثقف باستخفاف هل وصلت هذه السخافات إلى هنا ايضاً؟ فنظر إلية الأفريقي، فلم يجادله، ولا دافعَ عما كان يقرأه، ولا أبدى أي رد فعل عما صدر عن ذلك الأجنبي المتكبر، إنما نهض بهدوءٍ فحسب وأومأ إليه بأن يتبعه من دون أن ينبت ببنت شفه، فذهب المثقف وراء الزنجي إلى الجهة الأخرى من الكوخ حيث وجد هناك كومة من العظام والجماجم، وهنا قال الأفريقي للمثقف المتكبر: يا صديقي لولا هذا الكتاب لكان مصيرك الآن كمصير هؤلاء، ولكن أشكر ربك لأن هذا الكتاب قد علَّمني ألا آكل لحوم البشر، بل علمني أن أحبهم وأعاملهم بالحسني وأتقبلم دائماً. 
وبناءً على ما جرى بين الزنجي والمثقف المتكبر نعتقد بأن كل منصف وعارف بوضع إقليم كردستان يدرك جيداً بأنه لولا وجود حكومة الإقليم وعلى رأسها قادة الحكومة الحاليين مع بيشمركتهم النبلاء لدخل بُغاة العنصرية ربما حتى إلى جناح الحرملك في بيوت جميع الليبراليين المتكبرين في الإقليم، ولربما انتهك مَن هم مِن بقايا الزنخ العفلقي في العراق حُرمة منازلهم وأشبعوهم إذلالا ولم تكن لتفيدهم كل شعارات الليبرالية والتثاقف والاخوة والمحبة، وأضعف الإيمان لكانت الحكومة الاتحادية  بعد احتلالها لكل مدن الإقليم قد عاملتهم معاملة أي أجيرٍ أو فرّاش في إحدى مؤسساتها الفاسدة؛ ومن كل بد لو امتلك الليبرالي المتحاذق ولو مقدار فترٍ من قيم الإنصاف، لشكر كما قال الزنجي للأجنبي مَن يحمون عرضه وشرفه ويصونون كرامته وكرامة كل سكان الإقليم.    

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات