القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 532 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - حلقة خاصة

 
السبت 10 حزيران 2017


د. محمود عباس

أطلعني الأخ الباحث والناقد القدير إبراهيم محمود على دراسة كتبت سابقا في هذا المجال، وباللغة الكردية للـ(د. عبدالرحمن آداق) تحت عنوان ( بداية الأدبيات الكُردية الكلاسيكية) (منشورات نوبهار، استانبول، ط2، 2015، ط1، 2013 ، وهو يقع في " 462 صفحة " من القطع الوسط) وقد كانت مفاجئة قيمة، خاصة وإنها دراسة أكاديمية، ومن كردي، وللأسف لم أتمكن حتى اللحظة من الاطلاع على محتوياتها، لكن ما قدمه الأخ وفي مقالة له نشرت في موقع (ولاتي ما) بتاريخ 3/6/2017م تحت عنوان (الأدبيات الكردية قبل الإسلام) ملخصا ومترجما فيها الفصل المتعلق بما قبل الإسلام من مضمون الكتاب، بتقنيته اللغوية القيمة إلى العربية.


 وقد آثار اهتمامي بعض النقاط التي ربما غابت عن الباحث، أو أنه لم يتطرق إليها لغاية، ووددنا هنا أن نوضحها، لأن هذا الموضوع بحد ذاته تحتضن إشكالية تاريخية كثيرا ما تغاضى عنها العديد من المؤرخين العرب، وخاصة المسلمون منهم، لغايات، ربما عروبية، أو للتغطية على البشائع التي خلفتها القبائل العربية الجاهلة في بدايات الإسلام بشعوب الحضارات التي دمروها. مع ذلك تبقى الملاحظات اللاحقة في حكم دراسة نسبية ما لم يتم الاطلاع على كلية مضمون الكتاب، مثلما أن الموضوع المطروح على البحث (هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام) الدقيق والحساس يحتاج إلى كل أساليب أوجه البحث والتنقيب، فهذه الحضارة المترامية الأطراف، والتي كان الكرد بقبائلها ركيزتها الأساسية، والمحتضنة العديد من المدن الكبرى المتطورة القائمة على بنية ثقافية حضارية متينة وعميقة عمق التاريخ، والتي استندت عليها الإمبراطورية، لا يعقل أن تكون نتاجها الفكري والأدبي والفلسفي والعلمي دون الحضارتين اليونانية والرومانية أو البيزنطية.
1-يتكتم أو لا يتعرض الكاتب ولغاية ما إلى الأسباب المؤدية إلى تلف أو ضياع الآثار الأدبية للحضارة الساسانية، والتي كما ذكرنا ضمن حلقاتنا المنشورة في هذا المجال، أن هذه الحضارة كانت كردية في حيزها العام وحسب مقاييس تلك الفترة الزمنية، ويحتمل أن يكون الساسانيين من جملة قبائل كردية تشكلت منهم الأمة الكردية –الكردستانية الحالية، ونعلم أن الإمبراطورية احتضنت حينها العديد من الإمارات والشعوب، واستندت على ثقافاتهم إلى جانب الثقافة الساسانية الكردية. وفي مقدمة الأسباب المؤدية إلى الضياع أو التلف ما خلفته غزوات القبائل العربية الإسلامية وجهالتهم بالآثار الفكرية المنسوخة، وهم، كما هو مدون في العديد من المصادر التاريخية، ومنهم المؤرخين المسلمين الأوائل، أمثال الطبري، والبلاذري، وأبن الأثير، وابن خلدون وغيرهم، كانوا يستندون على النقل والحفظ، ويبتذلون عمليات النسخ وجمع الكتب، وقد أوردنا من تلك المصادر، حوادث، منها جرت قبل الإسلام، وبعضها الآخر في القرنين اللاحقين، وأسماء الفقهاء والعلماء المسلمين الذين كانوا ضد عملية النسخ، مذكورة في معظم تلك الكتب. هذه الخلفية الثقافية أدت إلى تدمير العديد من المدارس والمراكز الثقافية والمعابد والكنائس التي كانت تدرس مجموعات من الكهنة وتخرج كتبة، وقد أتينا على عدة أمثلة منها نشاطات مدرستي كنديسابور والمدائن ونصيبين، وغيرهم. تمت تدميرها ونهبت محتوياتها، وحرقت أو أتلفت الكتب لأنها لم تكن ذات قيمة مادية مقارنة بتجارة السبايا في أسواق النخاسة المنتشرة حينها ضمن المجتمع البدوي الصحراوي الذي كان يعتمد على الغزو والنهب في العيش، وهذه الثقافة كانت وراء حرق مكاتب عديدة ومنها مكتبتي المدائن والإسكندرية، وقد دعمت هذه النزعة بالبديل الإلهي (القرآن) المستغني عن جميع الكتب والعلوم، وبقي هذا المفهوم مسيطرا حتى منتصف القرن الثالث الهجري. والكاتب في الفصل المذكور يسبق هذه الحقائق التاريخية بعدمية وجود الأدب الكردي ما قبل الإسلام أو في الحضارة الساسانية التي لا يمكن أن يقام صرحها العمراني والفكري بدون مدارس فكرية ومكاتب وشريحة من الكتبة والنساخ يعملون ضمن حاشية الملوك والأمراء وفي المراكز الثقافية التي احتضنت بلا شك الأدباء والفلاسفة والمفكرين والعلماء، وتم ذكر بعض الأسماء التي لم تصابها التعتيم الكلي رغم التدمير، فيما بعد ضمن العديد من كتب المؤرخين اللاحقين، وتبينت من خلال حادثة سقوط جدار بناية في مدينة أصبهان واكتشفت تحت أنقاضها عدد كبير من الكتب القديمة تبحث في العديد من العلوم وجميعها كانت تالفة تماما.
2-المقارنة غير منطقية، بين نصوص الكتابات الماضية حيث الحضارة الساسانية وما بعدها واللغة الكردية الحالية للتأكيد فيما إذا كانت توجد حينذاك ما قبل الإسلام آثار أدبية وفلسفية كردية وباللغة الكردية. وهنا يغيب عند المؤلف تطورات اللغة الكردية، حروفاً وكتابة، وحديثا، إلى جانب تداخل اللهجات بين بعضها، وغياب السلطة الكردية التي  هي من أهم عوامل الحفاظ على اللغة ومقوماتها، وتتبع تغيراتها أو تحويراتها، وتكوين لغة حديثة تجاري الثقافة والتطور الحضاري الحالي، وهو في هذا إما أنه يتقصدها، أو أنها غابت عنه، وفي الحالتين خلقت في دراسته نقاط ضعف واضحة، أبعدتها عن الحيز المنطقي والعلمي كدراسة أكاديمية، وقد كتبنا في هذه الإشكالية حلقتين تحت عنوان( الميديون الساسانيون الكرد) حينها ومن خلال البحث والإقصاء خرجنا باحتمالية أن تكون قد تداخلت وعلى مر التاريخ وحيث المنطقة الواحدة والعرق الواحد، تقارب بين اللغات أو لهجات القبائل التي أسست الحضارات الميتانية والبارثية، والميدية(ماد) واللغة الفهلوية الساسانية، وبينوشاد وماسي سوراتي اللتين ذكرهما ابن الوحشية في كتابه ونسخ حروفهما، لتتكون منها لغة مشتركة، وتنتهي إلى اللغة الكردية الحالية بلهجاتها الأربع الرئيسة، رغم غياب السلطة المحافظة لها، بعكس اللغتين الفارسية والعربية، وعلى الأغلب كانت الصفة الكردية التي كانت نادرة الذكر حينها الغطاء الجامع لهذه اللغات والقبائل. وقد حدثت للغة الفارسية الناتجة من اللغة الفهلوية الاشكانية ولغة القبائل الأخمينية، التي تطورت وتشكلت منهم اللغة الفارسية التي أحيتها ودعمتها الدولة السامانية في بدايات القرن الثالث الهجري وما بعد، قبل أن تتأثر بالثقافة العربية ولغة القرآن وتحتضن العديد من الكلمات العربية، علما أن الدولة السامانية كانت وراء إضفاء الصفة الفارسية فيما بعد على تاريخ الحضارة الساسانية. والمثال الأخر والأكثر وضوحا هي اللغة العربية وتطوراتها، المتشكلة على أعتاب عدة لغات مختلفة، قبل الإسلام، ما بين لغة الحمير حيث العرب العاربة، ولغة العرب المستعربة، ومنها المتوسطة القريشية، والشمالية حيث الغساسنة والمناذرة، لتنصب جميعها في لغة قريش، اللغة التي قضت على الجميع واحتضنتهم في داخلها، وبدعم مطلق من السند الإلهي (النص القرآني) ومع ذلك، ومن بداية عملية جمع القرآن وحتى الأن مرت اللغة العربية بمراحل عديدة، من حيث الكتابة والخط والحروف، واللفظ، وغيرها، وكثيرا ما لا يمكن إضفاء الصفة العربية على منسوخات كتبت قبل الإسلام، وبلغات أهل اليمن أو الغساسنة، وسيكون غريبا مقارنة نسخة من فترة الخلافة العباسية مع احدى اللهجات العربية الحالية أو حتى مع كتب اللغة الفصحى الحالية. وعليه فإسقاط الكاتب على هذه المقارنة الجدلية بين المنسوخ في الماضي القديم، وإقصاء الأدب الكردي على أساسه غير منطقي ولا يستند على مصداقية تاريخية. وعليه تظل عملية التلف والضياع، على خلفية التدمير المتعمد، أو الإهمال، أو لا بديل عن القرآن، حاضرة ولا يمكن الحكم بعدمية وجود الأدب الكردي، أو آداب قامت عليها الحضارة الساسانية الغنية بمدارسها ومجتمعات مدنها المتطورة، ولا يمكن تبرئة القبائل العربية الإسلامية التي كانت  تعيش الجهالة، ولم تجلب اهتمامهم الأدب والآثار الفكرية وعليه فلم يحاولوا إنقاذ الآثار الأدبية والفكرية والفلسفية الماضية لما قبل الإسلام، بل حتى ولو كانت لبعض قادتهم نية، لكنهم لم يملكوا الإمكانيات أمام نزعة الغزو العامة، عند القبائل العربية، وتفضيل النهب والسبي على الكتب ومحتويات المدارس، فعليهم تقع التهمة، وهو ما يود الدكتور الابتعاد عنها، وعدم الإقحام فيها، ويحكم بعدم وجود أدب كردي قبل الإسلام غير الفتات المتناثرة التي جاء على ذكرهم بعض المؤرخين المسلمين لاحقاً.
3- مقارنة الأدب الكردي، أو آداب الحضارة الساسانية أو اليونانية، بآداب القبائل البدوية العربية، غير منطقية، فالقبائل العربية كانوا يعتمدون على الحفظ، ويرفضون النسخ، وكان البعض من وجهائهم يبتذلونه، ولأسباب منها: عدم وجود مواد يكتب عليها، وندرة الذين كانوا يعرفون الكتابة، وقلة حيلة الحفظ على الرقع أو العظام، وعليه لا يمكن مقارنتها بثقافة المجتمعات الحضارية المذكورة، ومنها الحضارات التي قضت عليها القبائل العربية الإسلامية، كالساسانية والقبطية الفرعونية، والأمازيغية، فهؤلاء كان لهم شريحة من الكتبة، والناسخين، في المدارس وضمن حاشية البلاط. فالمجتمع وأغلبية مؤسسات الإمبراطورية كانوا يعتمدون في علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على النسخ والمراسلات، وخاصة مراسلات الملوك والأمراء وبعض التجار الكبار، وكانت تحفظ، ومثلها نشاطات المدارس والمراكز الثقافية، ولا شك لم تكن مثل هذه المراسلات والنسخ متوفرة في مجتمع صحراوي، بدوي، بل ولا قيمة للنسخ والكتاب والمراسلات عندهم، ولهذا فالشكل الأدبي الوحيد المتطور عند القبائل العربية كان الشعر، علماً أن تاريخه أيضا لا يتجاوز المئة سنة قبل الإسلام. في تلك الفترة كانت تدور بين المدن اليونانية ومدارسها ومدارس الحضارة الساسانية بعثات دراسية احتضنت المدرسين والطلاب، كتلك التي كانت بين المدرسة الرواقية وكنديسابور، وغيرها، وقد أتينا على مصادرها سابقاً.
لا نعلم ما هي الأسباب التي أدت بالدكتور عبد الرحمن آداق في إهمال مثل هذه الإشكاليات، وحكم بشكل شبه مطلق بعدمية وجود آداب كردية ما قبل الإسلام، وأتى بالشذرات التي أنقذت بطرق ما من التلف والتدمير، وهو بذاته يكتفي بهم، ليحكم حكمه غير المنطقي على الخلفيات الأدبية والفكرية لشعوب تلك الحضارة ومنهم الكرد.  ويحكم بأن المجتمع الكردي كان يخلى من الكتب والآثار الأدبية، أي عمليا إما يقطع الصلة بين الكرد والحضارة الساسانية أو أنه ينفيها عن الحضارة ذاتها، وهو هنا يدخل في إشكالية فكرية حول مقومات تكوين الحضارات، والتي من أهمها هي المراكز الفكرية وشريحة الكتبة والفلاسفة والعلماء، والذين يستند عليهم ملوكها وقادة جيوش الإمبراطورية. وهنا وكأن الدكتور عبد الرحمن يود وبشكل غير مباشر تبرئة القبائل العربية الإسلامية من ذنوبهم في التدمير وتضييع آثار إحدى أعظم الحضارات في التاريخ البشري. ولا شك نرجح التناسي عند الكاتب على عدم الانتباه، لأن دراسته أكاديمية، وصاحب عمل مثل الكتاب القيم المذكور، لا يمكن ألا وينتبه إلى مثل هذه الإشكاليات التاريخية، وخاصة أن السلطات الإسلامية، بدءً من منتصف الخلافة العباسية، وبعد أن تشربت القليل من ثقافة الحضارات التي دمرتها، انتبهت إلى ما فعله أجدادهم من سلبيات، لذلك حاولوا إعادة المرتكزات الحضارية السابقة، فدعموا حركة النسخ والكتابة والترجمة، واستعانوا بشعوب الحضارة الساسانية، دون التركيز على اختلاف الأديان، وفي تلك الفترة كان أكثر الفقهاء وعلماء التأويل وعلم الكلام، وأفضلهم من الموالي، وقد نبغ بينهم شخصيات كردية عديدة وفي كل المجالات، فلا يعقل أن يقام مثل هذه الشريحة من على خلفية ثقافية ضحلة. 

الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
4/6/2017م

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات