القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 545 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: الكرد بين السندان والمطرقة

 
الأربعاء 02 كانون الأول 2015


د. محمود عباس

  سقطت الطائرة الروسية على أرض كردستان، ضمن جغرافية الدولة التركية، ولم تنتبه إليها أي من دول العالم، بمقدار ما انتبهوا إلى 20 مليون كردي يمكن استخدامهم كأدوات، وهي القوة التي تحركها الدول الكبرى عند الحاجة، موجودون ولهم حضور جغرافي-ديمغرافي في كل الأزمان، بلا تغيير، لكن الظروف والصراعات الإقليمية هي التي تتبدل، فيطفون إلى السطح أو يغرقون في العتمة حسب حاجة الآخر. فما أبأس التاريخ، وما أبأسنا ككرد، وما أبأس الروس الذين كانوا عميان وطرش، أو يغمضون أعينهم عن مجازر تركيا بحق الكرد على مدى العقود الطويلة الماضية، وفتحتها سقوط طائرة، ولم تفتحها تدمير 4500 قرية كردية ومجازر تعددت 30 ألف شهيد! 


وما أبأسنا كحركة سياسية وثقافية، نصدق كل منافق ينهض لمصلحته ويثيرنا معه، كنا ضعفاء وأصبحنا وبقدرة روسيا أقوياء نستطيع المطالبة بتكوين دولة، ولا خطأ في هذا، ونأمل أن يتصاعد التحريض الروسي إلى سوية مراكز القرارات السياسية وتفعيلها على أرض الواقع، لكن دراسة التاريخ والواقع لا تبشر بمثل هذا الأمل، فلن يطول الزمن وستبان جوهر التصريحات الروسية. 
 ما أشبه اليوم بالبارحة، تصاعد صراع روسيا مع تركيا، يشبه صراع الصفويين والعثمانيين، على كردستان وشعبها، الاتحاد السوفيتي وإيران، بريطانيا وتركيا، كما وسبقتهم وتلتهم صراعات عديدة أخرى، كان الكرد فيهم الحطب السهل والسريع الاشتعال، وما يجري اليوم من صراع بين بوتين وأردوغان كممثل عن أمريكا ولربما أوروبا، على المصالح في المنطقة، وعلى جثة سوريا، نفاق دولي، لا يختلف في كثير عن الصراعات الماضية، يبرزون الكرد كما هو المتبع بينهم، الأداة الأكثر استخداما وسهولة وقوة في المنطقة، يغطون بهم العديد من جرائمهم بحق الشعوب السورية، فهم متأكدون من تحريك الكرد، إلى جانب أدوات أخرى تستخدم للتشويه كداعش أو الاتجار بهم كصفقات اقتصادية، كقضية الثورة السورية والصراع بين معارضة فاسدة ونظام أفسد، وبغياب شبه كامل لحقوق الشعوب السورية. 
  ما أبشعها من مقارنة، عندما يضعون الكرد في مواجهة منظمات شريرة كداعش، وما أخبثها من سياسة، عندما يتناسون بأن القضية الكردية هي قضية وطن وشعب، وصراعهم في عمقه مع حكومات فاشية لا تقل شرورا عن داعش، عبثوا بالمجتمع الكردي، ويسكتون عنها، وبالمقابل يصدحون بالكرد وقوتهم في المحافل الدولية وعلى الإعلام دون خدمة فعلية لقضيتهم، فسكوت أمريكا والاتحاد السوفيتي والد روسيا الحالية عن جرائم حزب الله التركي سابقاً، وجرائم الحكومات التركية والإيرانية والبعث، وحكمهم بالمقابل على ثلاث أكبر أحزاب كردستانية بالإرهاب، وإدراجهم ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تبين مدى مصداقية تصريحاتهم الحالية.
   ضعفاء نحن، وعلينا أن نعترف، ونتحرك على سوية هذه المعرفة، وبعد الاعتراف الذاتي، يجب أن نبحث عن مراكز قوتنا، وهي التقارب وقبول الكردي الأخر، لنتمكن من عرض بعض ما نحلم به على أمريكا وروسيا، مقابل الخدمات، وإلا فلا حول لنا سوى قبول ما يفصلونه لنا، ولنأمل أن تكون جغرافية مناسبة. ولنحكم جدلاً أن أقوالهم صادقة في هذه المرة، ولنتناسى أن هذه ستصطدم بأحد أكبر العواق، فكل قوة ستخلق كردستان على مقاسه ومفاهيمه، ومصلحته، روسيا تنقب عن الطرف الأقرب إلى استراتيجية الهلال الشيعي وهو الطرف الذي سيخدم مصالحه في المنطقة، وأمريكا ستخلق كردستانها، وحسب استراتيجيتها ومصالحها، وسينتقل الكرد من صراع بين أطراف من الحركة الكردية إلى صراع بين كردستانين، وقد نتجاوز هذه ونتمنى الوطن حتى ولو كانت على أربع أجزاء كما يقال الأن، لكن سيظهر السؤال المحير: هل  هذه ستخدم الأمة الكردية وأحلامهم أم الكرد سينتقلون من صراعهم مع الحكومات المستعمرة إلى صراع بين بعضهم حسب أجندات  القوى الكبرى الحاكمة؟.
المصالح الاقتصادية بين تركيا وروسيا، أكبر من أن تتأثر بإسقاط طائرة روسية، مثلما لم تتأثر بإسقاط الطائرة التركية في بدايات الثورة السورية، والتي كانت بصاروخ روسي، وغطيت بحوارات دبلوماسية، لكن هناك قوى تحرك هذه الأبعاد لمصالحها السياسية، وعلى رأسها الدولة العميقة الطورانية، مستخدمة هذه الطريقة لإعادة هيمنتها العسكرية، لخلق صراع بين حكومة أردوغان وروسيا، وهي القوة التي قزمتها أردوغان وحزبه وبمساعدة الدول الكبرى والشركات الرأسمالية العالمية، وفي هذا البعد الطرفان ومعهم أمريكا وأوروبا لا يرغبون في مثل هذا التصعيد العسكري، على حساب الإرهاب المتنامي في المنطقة والمتغلغل في أجسامهم، لكن ولعنجهية أردوغان وبوتين، تقبلا الضربة كصراع بين الدولتين على من سيحتل المنطقة، علما أن البعض يعرضونه كصراع بين شخصين مهووسين بتاريخهما، فيثأرون لماض إمبراطوريتين مليئتين بالحروب.
    لكنهم في الواقع ولتداخل المصالح والقوى في الصراع الجاري على أرض سوريا، دفعتهم إلى تقبل كل الاحتمالات، وعرض كل الإشكاليات، واستخدام كل الأدوات لإرضاخ الأخر، وعلى عتبة هذا التصعيد، برزت المسألة الكردية لصالح روسيا، كأسهل مادة خام لإثارتها، وسيزداد دورهم على قدر توسع الصراع. أنتبه حكومة أردوغان على الخطأ الذي أنجرف إليه أو جرف إليه بعد مرور أيام قلائل، فتراجع، وقلل من سوية لهجته، مقابل تصعيد الروس لها لهجة وعملاً، حركت بعض الشخصيات غير الرسمية السياسية والعسكرية، لإحساس تركيا بأنهم مستعدون على استخدام قوة الكرد، وأثاروا القضية الكردية القومية، مقابلها قامت حكومة أردوغان على استخدام العنف مع الكرد، وبلغت إلى درجة الاغتيالات الفردية للشخصيات الكردية المهمة، ربما عن طريق غير مباشر، كتحريك خلايا عنصرية قومية نائمة، ومن المتوقع أن يتنازل أردوغان عن المواجهة، بل وربما يحدث اتفاق سياسي-عسكري على سوية الصراع في سوريا والقوى المعارضة التي تدعمها تركيا، في حال قبلت روسيا ووجدت أن الاتفاق سيخدم مصالحها في المنطقة وسوريا بشكل محدد، ولا شك حكومة العدالة والتنمية ستقوم بها، للحد من عودة قوة الدولة الطورانية العميقة، وتصاعد دور الكرد في تركيا، أو على الأقل عدم بلوغ قضيتهم إلى المحافل الدولية، كهيئة الأمم مثلاً، عن طريق روسيا.
رغم الثقل السكاني والجغرافي الكردي في المنطقة، لكنهم ولأسباب عديدة، ومنها حالة التشتت والانقسام، أصبحوا أداوت سهلة الاستخدام، ويمكن إحيائهم أو التعتيم عليهم عند الضرورة، وهم وعلى مدى التاريخ القريب يقبعون في وضع سياسي عسكري لا قدرة لهم في تسيير مساراتهم حسب مصالحهم دون إرادة الأخرين أو الانجرار وراء مصالح القوى المتصارعة في المنطقة. علماً أن تلاقي المصالح وتبادل المساعدات بين الكرد والدول الكبرى حالة منطقية ولا يمكن أن تنفيها أية قوة في العالم، لكنها في الواقع الكردي متهمة بالخيانة، والانحياز من البعد الوطني، يعتبرونه تفعيل من جانب واحد، فكل المصالح في المنطقة يجب أن تموت وتحيا خارج الإرادة الكردية، علماً بأنه حدث تداخل مماثل، في شكله العام، بين مصالح تركيا والرأسمالية العالمية، لكن الفروقات كانت هائلة بين ما حققه أردوغان لتركيا وما حققته أو ستحققه الحركة الكردستانية للشعب الكردي.  فعندما استلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، تمكن أردوغان من تسخير مثل هذه العلاقة لمصلحته القومية، فرفع بالاقتصاد التركي، وأخرج تركيا من حالة الانهيار إلى سوية إحدى أكبر دول العالم، وأبعد عنها شبح الانهيار الاقتصادي الذي اجتاح معظم الدول الكبرى، وفي الفترة التي كانت دولة مثل اليونان تنهار اقتصاديا كانت تركيا تحقق نموا اقتصاديا في جميع القطاعات وبلغت حدود 12% في عدة سنوات.
   ورغم هذا الواقع تتناسى الحركة الكردية، بأن مبدأ التقارب والتحاور، من أولويات خلق القدرة، في مواجهة الحقيقة، وأن الإتيان بنتائج إيجابية تنبع من العمل المشترك، وبصدق، لا الحديث فيه والعمل بعكسه، وقبول الآخر فعليا، لا شكليا وكلامياً من منطق كسب الرأي الكردي، وخداع الشارع إعلاميا، وهو ما تفعله معظم الأحزاب وخاصة المتمكنة والمسيطرة، متناسين أن بعض العلاقات السياسية والظهور الإعلامي لا توصل حزباً واحدا دون الشعب إلى الهدف القومي، ويجب أن يتعلموا من التاريخ أن الاستناد على القوى الدولية واستناد الكرد عليهم سيكون آنيا بدون قوة كردستانية مسيطرة وفارضة تمثل كل الحركة والشعب. ولا يعني هذا أن الاختلاف على المفاهيم والدروب والقضايا وتنوع الاستراتيجيات، حالة سلبية عندما تكون الغاية واحدة، لكن الشراكة في التكتيك وتقبل الأخر، والحوار على القضايا الرئيسة من متطلبات النجاح، بدونها كل الانتصارات هشة، والتاريخ الكردي شاهد، ولا يمكن تغير جدليته، وسيبقى الكردي مطحوناً بين الأعداء المتآمرون والأصدقاء الذين لا يرون الكردي إلا الحطب القابل للاشتعال عند الحاجة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11-30-2015

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات