القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 532 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: الكُرد والحَيوَنة

 
الثلاثاء 14 نيسان 2015


 ابراهيم محمود

يظهر أن حساسية الكرد اللغوية، وكونهم في الغالب، يقيّمون الأشياء عن قرب، تبقيهم في خلاف مع الجاري، وتحديداً في فارق المعنى من لغة إلى أخرى، فأنت إن قلت لأحدهم أو سمّيته بـ " Rovî " بالكردية، خلاف قولك " ثعلب، مثلما الحال في قولك " خنزير " بالعربية، حين تقول " Beraz ". الكرد رغم معرفتهم اللافتة بعالم الحيوان، كيف وهم يصهرون في نفوسهم الجبل والسهل! ووجود كم كبير من الأمثال والأقوال المأثورة تخص الحيوان من باب التشبيه أو الوصف، سوى أنهم لا يفكّرون إلا بالأسوأ أو الأبأس مرتبة .


الحيونة سلوك نفسي واجتماعي وثقافي، وفي مثال " الثعلب " وهو ما كتبتُ في نطاقه، لكَم يُساء الفهم، حيث المعنى المبتذَل هو الذي يجري اعتماده، رغم الإشارة إلى أن الاقتصار على معنى محدود يعني اعتماد تفكير سطحي يترجم طريقة التعامل مع الحياة وتعقيداتها.
المعنيون الكرد بالحيونة، وما يصل الإنسان بالحيوان، على علم بمفهوم الثعلب، كما هو المشهور عن القائد الألماني " رومل " والذي وصِف بأنه " ثعلب الصحراء "، وكما في حال الأمير حين يكون ثعلباً في ظروف معينة .
قابلية الكرد في التعاطي مع الألقاب في ظاهرها تعبّر عن بؤس تصريف المعاني وطريقة إدارتها لديهم في القول والفعل اليوميين، وفي الكردية كلغة، قبل كل شيء، كأن أشير إلى الوصف المغنَّى في قصيدة جكرخوينية :
Bûye wek rovî  li pa xwe na nêrî
صار مثل الثعلب الذي لا يلتفت وراءه !
إننا هنا إزاء حالة انسحاب من العالم، لا بل وبدائية الدلالة بالنسبة لمفردات اللغة، وتحديداً، لأن ثمة انعداماً لمسافة التفكير المطلوبة، لتقليب المفردة على وجوهها في معانيها، وكون كل مفردة تحمل سيرة حياة وتاريخاً حياً متنوعاً من المعاني .
في الطب، تكون " الثعلبة " مرضاً جلدياً، وكثيراً ما يشاهَد في رقعة أو أكثر في الرأس، إذ يسقط الشعر، وعدم المعالجة لهذه العلة قد يحول الرأس كله إلى كتلة جلدية حمراء مخيفة، وذلك بتأثير من " خبث " العلة، وقدرتها على الإصابة.
والثعلب رغم خفَّته، وذيوع صيته في الحكايات الشعبية لدى مختلف الشعوب، وظرافته بالمقابل، يظهر من حيث التقييم نظيراً للمهرّج، والذي يتم استدعاؤه للترويح عن الأنفس. المهرّج كائن إنساني، ويمتلك موهبة الإضحاك والإيناس، ويعني ذلك أنه يمتلك قابلية تفاعل مع الوسط، ورغم ذلك من النادر، وفي وسطنا، وجود من يتمنى أن يكون " مهرّجاً "، أي إن الثعلب المثير للضحك ونظير الفكاهة، يطلَب للفرجة فقط، رغم كامل الاعتراف بحيله. نعم" الحيل " هي التي تجذب الانتباه وتثير الإعجاب، ولكنها، وكونها حيلاً، تثير حفيظة الشخص، كما لو أن مجرد الاحتكاك به، يوقعه في شرَكه.
والثعلب، وفي نطاق " الحيونة " الغريبة عن قاموس الحياة اليومية لغالبية كردنا، كما يظهر، رغم أنهم لا يدخرون جهداً في استعمال أو تداول الكثير مما هو حيواني فيما بينهم أو في الذم ورد الدم بمثله، يصل ما بين صنف الحيوانات الأكثر قدرة على الفتك والافتراس والرهبة: الذئب، النمر، الفهد، الأسد..، وقائمة الحيوانات المنفّرة: ابن آوى، الظربان، الغريري، السالول " Gorneba  "..الخ، مثلما أنه يجمع بين الحلال والحرام في الفقه: مباح أكل لحمه لمن يريد، وحرام لمن لا يريد، فهو مفترس من ناحية، أي من السباع، وهو الحيوان الاستثنائي، أو يكاد، من بين الحيوانات اللاحمة والوحشية، والمفتى بتناول لحمه من ناحية أخرى، ربما لسهولة رؤيته ومجاورته النسبية للبشر .
هنا، يؤخَذ من " الحيونة " المعنى الأحادي والأكثر إساءة للاسم نفسه، كما هو وضع الكثير مما يجري تلفُّظه في أوساطنا الاجتماعية وحتى الثقافية، وما يعنيه ذلك من مدى التصاق عالمنا بعالم الحيوان  من جهة، وصعوبة التحرر من هذا العالم من جهة أخرى، وما يترتب على ما تقدَّم من اضطراب العلاقات وسوء في التقدير، وتبلبل الصور والمشاعر، وما في المتداول من مآس تعنينا في عالم يتقاسمنا برغبة منا أو  جرّاء سطحية أحكامنا، وعدم تمييزنا بين أن يكون أحدنا ثعلباً، وهو إيجاب في المعنى، وأن يصبح ثعلباً، لأنه ممسوخ من الداخل، فلا يقبل به إنسان ولا ثعلب بالمقابل .
دهوك
14 نيسان 2015 
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات