القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 416 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: الپاتيزمية PATISM العَداء السَّافِرُ للكُرد (1)

 
الأثنين 06 نيسان 2015


زاغروس آمدي
 

تعريف: 
الپاتيزمية بالإنكليزية  PATISMأو بالألمانية  PATISMUSمصطلح أُطلِقه إختصاراً على المثقفين والسياسيين من نُخب الفرس والعرب والترك، الذين يعادون الكُرد ويبثُّون الحقد والكراهية بين الكرد وشعوبهم، لدواعٍ عنصرية ومصالح قومية شوفينية محضة، ويعملون بشتى الوسائل المتاحة لديهم ضد الشعب الكردي لمنعه من أن ينال حق تقرير مصيره بنفسه والحصول على حريته وإستقلاله.
والأحرف الثلاثة الأولى من PATISM ترمز إلى تلك النخب من الفرس Persians، والعرب Arabs، والترك Turk. 
وبإختصار شديد فإنّ كل من يعترض على حق الكرد في تقرير مصيرهم وإقامة الدولة الكردية المستقلة هو بشكل أو بآخر پاتيزمي.


     أمّا الذين يقرّون للكرد بحقهم في تقرير مصيرهم، لكنهم يلحقون عبارتهم تلك بكلمة "ولكن" وكل واحدٍ منهم يريد أن يحدد الحدود والوقت المناسب لإستقلال كردستان، في الوقت الذي هو فيه غير قادر ولا يجرؤ أن يحدد موعد لنفسه مع طبيب نفسي للتخلص من علله الباطنية، فهم في طور إعادة تكوين الذات الثقافية، ولكنهم لم يبلغوا بعد المرتقى الثقافي الذي يتيح لهم رؤية واضحة ونافذة لقضاياهم الفكرية وأزمات مجتمعاتهم المستفحلة. ولا اضمهم هنا إلى فئة الپاتيزميين.

توضيح:
أحب أن أشير هنا أن هذا المفهوم أردت به أولاً الإختصار، وثانياً لفت النظر إلى ظاهرة النظرة الإستعلائية عند الپاتيزميين تجاه الكرد وطرحها للنقاش، وأعتقد بأن نصف هؤلاء على الأقل سيغيروا رأيهم بالكرد وحقوقهم بمجرد أن ينمو عندهم الوعي بالقضية الكردية. كما أن علينا أن ندرك جميعاً ممن يعتقدون بأنهم من النخب بأنه تقع على كاهل هذه النخب مسؤولية كبيرة تجاه ما يحدث وما سيحدث لمجتمعاتهم.
كما أحب أن أنوه هنا أنه ربما يبدو للبعض أنني بالغت في أحكامي كثيراً على الپاتيزميين، لكن قد يتوضح غير ذلك إذا بيَّنت بأنني أنظر إلى المثقف المفكر نظرة إجمالية شمولية، بمعنى أنه عليه النظر إلى الأشياء ليس من قبيل التحيز للذات ومن زاوية الإنتماء القومي أو الديني المحدود كما يفعل السياسيون ، وإنما من قبيل التحيز للإنسان كإنسان، بغض النظر عن مصالحه الآنية وإنتماءاته القومية والدينية والفكرية. 

غالباً ما ألاحظ بأن الپاتيزميين يعالجون قضايا مجتمعاتهم بسطحية وكأنهم غير معنيين كثيراً بالواقع، ولا يكترثون جدياً لتغييره، بل إنّ أغلبيتهم ينكرون واقعهم بشدة، فهم مولهون بقوة بالتاريخ، ولا يعيرون أي إعتبار للمستقبل إلا بالإعتماد إما على التراث وتأويل النصوص القديمة، وإما إسقاط أيديولوجيات غريبة وأفكار مستوردة ومقلدة على واقع شعوبهم، مما يعكس بوضوح عدم قدرة العقل الپاتيزمي على الفعل والإبتكار والإبداع، لأن العقل لا يلجأ إلى إسقاط الأفكار المعلبة أو إلى تأويل النصوص القديمة والذي يطلقون عليه تجديد الخطاب الديني إلا عندما يناله عجزٌ أو قصور يُقصيه أو يُسلبه القدرة على صناعة أفكار جديدة. بعكس المثقفين والمفكرين الأوروبيين في القرن الثامن عشر الذين حللوا واقعهم بدقة متناهية وأسسوا لفكر تنويري مبتكر، أرسى أسساً قوية للمستقبل، كان من نتاجها ظهور الثورة الصناعية وتطور العلوم الطبيعية والنظرية. بينما نجد أنّ الپاتيزميين العرب مهووسون بالتراث وبأمجاد الماضي وبالحضارة المزعومة المشبعة بالتضليل والتزوير. والپاتيزميون الفرس يرزخون تحت أهوال الماضي ويعانون من عقدة الرضوخ للعرب ولذا فهم مصرون بشدة على قلب الطاولة على العرب خبط عشواء وإعادة الإعتبار لأمجاد امبرطوريتهم التي محقها العرب قبل أن تهلك بذاتها، ويسخرون الشيعة من العرب والمذهب الشيعي من أجل ذلك، أما الپاتيزميون الترك الطورانيون والعثمانيون أصبحوا يتحدثون عن أمجاد الماضي بصورة ملفتة وكأنهم يريدون العودة إلى الماضي. مع أن الإنسان بطبيعته الفطرية وما لديه من إمكانيات عقلية وطاقات فكرية يتطلع دائما إلى الأمام ولا ينظر إلى الخلف، وهو الكائن الوحيد من بين الكائنات الحية الذي يستطيع أن يطور نفسه بإستمرار ويحسن حياته، معنى ذلك أنه لدى الپاتيزميين مشكل كبير هنا، بما أن أنظارهم ملتفة إلى الماضي، حتى أنهم يبنون عليه وجودهم الإنساني وقضاياهم المصيرية ومبادئهم الأخلاقية.  
 

الپاتيزميون عموماً يعانون بالإضافة إلى تجاهل الواقع وعدم الإهتمام بالمستقبل من ظاهرة الإزدواجية في التفكير والمعايير لحد الإنفصام المرضي اللاشعوري، ومولعون جداً بإطلاق الأحكام المسبقة، وتعليق أسباب إخفاقاتهم بالآخرين، منطلقين من نظريات ورؤى غير عقلانية تنسجم مع رغباتهم وطموحاتهم اللامعقولة المستوحاة بدورها من ثقافة مشبعة بالمغالطات وبالتصورات البدائية والأسطورية والقناعات القاصرة الثابتة الغير قابلة للتعديل أوللتطوير أوللنقد، ثقافة مغلقة مكتفية بذاتها والمغرورة بحضارة أو بالأحرى بثقافة قديمة مُضخَّمة بتراكمات إجترارية مبتذلة إذا ما قورنت بالفكر المعاصر، بحيث أصبحت تحجب الرؤية لديهم، فهم لا يرون سوى أنفسهم بأنهم الجديرون بالتقدير والشكر والقيادة، لأنهم يعتقدون أنه بفضل أجدادهم المزعومين قد تم تحضير العالم الغربي وصعود الإنسان إلى القمر وصناعة الحضارة الغربية.
     أمّا الذين يقرّون للكرد بحقهم في تقرير مصيرهم، لكنهم يلحقون عبارتهم تلك بكلمة "ولكن" وكل واحدٍ منهم يريد أن يحدد الحدود والوقت المناسب لإستقلال كردستان، في الوقت الذي هو فيه غير قادر ولا يجرؤ أن يحدد موعد لنفسه مع طبيب نفسي للتخلص من علله الباطنية.
 

إنّ جذور الپاتيزمية تجاه الكرد عميقة في التاريخ، فمنذ الإنقلاب الفارسي على أسلاف الكرد الميديين في القرن السادس ق. م. وإستلاب القيادة منهم، ظهرت طبقة من الحكام الفرس عملت عبر التاريخ على إهمال إبراز دور الجانب الكردي في الحضارة الفارسية، والتي للكرد فضلاً كبيراً في صنعها، لا يقل عن الدور الفارسي. لكن هذه الپاتيزمية لم تتعد إطار المصالح القبلية والسلطوية، ومع ذلك لم يتمكن الفرس من منع إسترداد الكرد للسلطة أحيانا، فقد اعتلت عشائر كردية عدة عرش الامبرطورية الفارسية. 

أما الپاتيزمية عند العرب فقد بدأت بالتشكل على نحو ما، بعد إحتلالهم لبلاد الكرد عبر معارك دموية بالغة الشدة في مواطن كثيرة من بلاد الكرد الواسعة آنذاك، والتي كانت تمتد من خوزستان (عربستان) إلى أواسط أسيا الوسطى. ولكن الپاتيزمية لم تصل إلى شدتها نسبياً، إلا عندما نجح أبو مسلم الخراساني في تقويض الخلافة الأموية وتسليم الخلافة على طبق من ذهب إلى آل عبّاس والذين سرعان ما إغتالوا أبو مسلم الخراساني خوفاً من مآرب هذا الأخير في إستلام أو المشاركة الفعّالة في الخلافة. وقد عبّر بعض الحكام العباسيين والشعراء عن حقدهم ومقتهم للكرد بشكلٍ سافر، خاصة بعد إغتيال أبو مسلم الخراساني. والذي نفث فيه أحد شعراء العباسيين هذا البيت من الشعر كما تنفث الحية سمّها في فريستها قائلاً:
 لا تحذر الحية أو العقربا            أحذر الكرديّ إذا إستعربا
في إشارة إلى أبي مسلم الخراساني.
وكان قبل ذلك الوقت بقليل، أي في زمن المملكة الأموية ظهرت ظاهرة الشعوبية كرد على العنصرية العربية وامتدت إلى زمن الخلافة العباسية إلى أن اختفت معظم الظواهر العنصرية، كإعتبار الموالي عبيدا للعرب ومنعهم من  الوصول إلى مناصب قيادية وإعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وفرض الجزية عليهم وعدم السماح للموالي الوصول الى درجة فارس ومنعهم من ركوب الخيل أثناء الحرب، ومنعهم من الزواج من العرب، وإعتبار زواج العربي من غير العربيات سفاح وعدم الإعتراف بأبنائهم، حتى غدا الهجين محتقراً ومنبوذاً. 
ومن أهم الشخصيات الشعوبية الشاعر أبو القاسم الفردوسي وعمر الخيام وإبو عبدالله الرودكي وأبو مسلم الخراساني ومؤسس الدولة الغزنوية محمود الغزنوي.
وقد شن الشاعر الفردوسي هجوما عنيفاً على العنصريين العرب في ديوانه المعروف بالشاهنامة حتى أنه قال فيهم:
بلغ بالعرب شاربي لبن الإبل وآكلي الضبّ مبلغاً أن يطمحوا في تاج الملك، فتبًا لك أيها الزمان وسحقًا.
 

أما الپاتيزمية عند الترك فقد ظلت محدودة ومقتصرة بين رؤساء العشائر والسلاطين السلجوقيين والعثمانيين في مشاكل الصراع على السلطة والاستقلال عن السلطنة، واستخدام الكرد في تغذية غزواتهم كوقود رخيص.
 

الپاتيزمية الحديثة
بدأت الپاتيزمية بالتشكل فعلياً مع نشوء الدول القومية للپاتيزميين وتَعمُّق العداء القومي بين الكرد والپاتيزميين في بدايات القرن العشرين مع إنتهاء الخلافة الإسلامية العثمانية، وتشكيل الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، ثم إزداد هذا العداء والبغض القومي عند الپاتيزميين أكثر بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، ليصل إلى ذروته مع إعدام القاضي محمد في كردستان إيران، وعمليات الإبادة الجزئية للكرد من قبل الطورانيين في كردستان تركيا، مع إعدام حركات التحرر الكردية العديدة بين الحربين العالمتين، وبروز الفكر الشوفيني العفلقي في كل من العراق  وسوريا، والذي رافقه عمليات إبادة جزئية ضد الكرد من قبل البعث العراقي في كردستان العراق رغم إعترافه بالهوية الكردية، وعمليات إنكار الهوية الكردية وتعريب الكرد من قبل البعث السوري في كردستان سورية.
 

من الإجحاف طبعاً وصم كل المثقفين والسياسيين بالپاتيزمية في كل من إيران، تركيا، وما تبقى من العراق وسوريا. لكن ما يؤسفني حقاً أن أتهم الأغلبية الساحقة من هؤلاء ومن جميع التيارات السياسية، اليمينية والدينية واليسارية بالپاتيزمية، لأنهم أيدوا بقوة سياسات حكوماتهم العدائية للكرد، بل شارك بعضهم في عمليات حربية على الأرض ضد الكرد، ولم يؤلوا جهداً في عمليات التفريس والتتريك والتعريب، وإطلاق أوصاف ممقوتة پاتيزمية على الكرد ، كوصف قيام أية دولة كردية بأنها إسرائيل ثانية، أو بأن الكرد المناضلين خونة وعملاء للصهيونية والإمبريالية الأمريكية، أو بأنهم خنجر مسموم في الخاصرة العربية، أو بأن الكرد أبناء الجن والشياطين، أو حتى بوصفهم قردة كما تفتَّقت أخيراً عبقرية الشاعر العراقي سعدي يوسف.
 

وما يحز في النفس ويؤكد على ترسُخ المفهوم الپاتيزمي أن الكثير من أفراد المعارضة العراقية الذين كانوا يناضلون مع الكرد ضد النظام البعثي الصدامي، سرعان ما عادت پاتيزميتهم عندما حلوا محل النظام البعثي العراقي، ولجؤوا إلى سياسة المخادعة (الأخوة المزعومة) لإضعاف الكرد وتفريقهم لعدم تمكينهم من الإستقلال.
أما في سورية فقد خفَّف البعض من المثقفين من پاتيزميتهم قليلاً مع إنطلاق الثورة السورية ومشاركة الكرد فيها بزخم ملحوظ قبل تحولها إلى ثورة مسلحة، ولكنهم في غالبيتهم العظمى مازالوا غير متحررين من الفكر الشوفيني القومي وغير قادرين على هضم حق تقرير المصير للشعب الكردي، وإعتبارهم لأية مبادرة كردية أو طرح كردي كمشروع الحكم الذاتي أو الفيدرالية هو إنفصال عن سوريا. ويبدو أن هذا القصور الفكري والنظرة المريبة إلى الكرد تضخم أكثر عند الپاتيزميين السوريين والعراقيين على الاقل في جانب منه، إلى إنغلاقهم ومعاناتهم الفكرية والسياسية والدينية في ظل النظام العلوي - البعثي لعقود عديدة.
 

إسرائيل ثانية
"إسرائيل ثانية"، الكرد عموماً لا ينخدعون بالجملة بمثل هذه الأقوال والشعارت التي تحمل في طياتها أغرضاً غير بريئة، أولها محاولة الإيحاء للكرد بأن إسرائيل دولة بغيضة وعدائية وبالتالي على الكرد أن يبتعدوا عن مثل هذه الدولة البغيضة، وأن يعلموا أنهم إن أقاموا دولة كردية فستكون بغيضة وعدائية مثل إسرائيل، وعلى الكرد البقاء خاضعين للپاتيزميين، أي أنهم شعب قاصر غير جدير بالإستقلال والحرية وعليهم البقاء تحت سيادة الپاتيزميين.

لكن وللأسف، ثمة شريحة غير بسيطة من اليسار والشيوعيين من الكرد تأثروا بهذا الترويج الپاتيزمي الرخيص، وحتى الكثير من المثقفين أيضاً تأثروا بذلك بشكل أو بآخر، ولم ينتبهوا إلى الغرض المراد من مثل هذا الترويج الملغوم، فالپاتيزميون يحاولون تكريس مفهوم خاص بهم للأخوة بينهم وبين الكرد وليس مفهوماً للأخوة الحقيقة القائمة على المساواة والإعتراف بالآخر. بقصد تمرير سياسة مخادعة، والتي تريد أن تجعل من الكرد مجموعات بشرية داعمة حين الطلب، فهم عند الفرس بدو، وعند الترك أتراك الجبال، وعند العرب أبناء الجن، فحين يحتاجون إلى الكرد يجب أن يكونوا جاهزين للخدمة، مثلما حصل حين إستخدمت الأمبرطورية الفارسية والعربية والعثمانية والصفوية فرسان العشائر الكردية في بسط نفوذها وتوسعاتها الخارجية، وكانوا ومازالوا يريدون تسخير الكرد بإسم الأخوة المزيفة.
ولابأس عند هؤلاء من إلقاء بعض الفتات إلى الكرد من قبيل الإضطرار وليس من قبل النية السليمة عند الحاجة. كما فعلت السلطنة العثمانية والصفوية لإرضاء الكرد للحصول على مساندتهم في الحرب الضروس بين الطرفين.وقد إتبع نفس هذه السياسة الحكم البعثي العراقي خلال أربعة عقود تقريباً، ونجح فيها نجاحاً باهراً.
 

كان مفهوم الأخوة المشوّه أو سياسة المخادعة يلقى إستجابة كبيرة عند العشائر الكردية في الواقع، وبدا ذلك جلياً في إستعانة الأنظمة الشاهنشاهية والنظام البعثي العراقي والتركي الفاشي بالعشائر الكردية بهدف الحد من ثورة الملا مصطفى البارزاني 1961 وحركة الماركسي عبدالله أوج آلان 1984 في كل من كردستان العراق وكردستان تركيا، والقضاء على دولة قاضي محمد في كردستان إيران.
نظرة الپاتيزمي إلى الكردي عموماً نظرة إستعلاء، فهو يعتبر الكردي أخاً عزيزاً طالما بقي عبداً في خدمته، لكنه يتحول إلى ألد أعدائه إذا ما فكر بالتحرر والتخلص من عبودية أو سيطرة الأخ المزعوم.
 
يعتبر الپاتيزميون دولة إسرائيل دولة بغيضة وغير شرعية في المنطقة، أستطيع أن أتفهم موقفهم هذا، ولكنهم غير مخوّلين بفرض هذه الرؤية عليّ، لأني أنا أيضاً أنظر إلى دولهم بأنها دول (أو بالأحرى أشباه دول) غير شرعية. وأنا لا أنظر إلى دولة إسرائيل بمنظارهم، وبالتالي نظرتي تختلف، فكل شخص أو كل شعب ينطلق من رؤاه الخاصة،  ولكنهم حاولوا طبعا من خلال هذه السياسة ومفهوم الأخوة المريب (سياسة المخادعة) التأثير على الأحزاب الكردية، في تشويه أهدافها وتطلعاتها التحررية، ودفعها بالإتجاه الذي يتناسب ومصالحهم القومية، حتى إن بعضاً من هذه الأحزاب ومن الساسة الكرد أرسلوا متفاخرين ومرفوعيّ الرؤوس بعضاً من الشباب الكرد إلى بعض المنظمات الفلسطينية لقتال الإسرائيليين، وبعضاً من هؤلاء (القادة) ما يزال يدبُّ على الأرض.
في هذا الوقت كان الپاتيزميون يخنقون الكثير من شباب الكرد في سجونهم القذرة ومعتقلاتهم البذيئة السيئة الصيت، ويعذبونهم بأفظع أشكال التعذيب، ويطمرون عشرات الآلاف من الكرد في مقابر جماعية وهم أحياء. ويقصفون البعض الآخر بالنابالم والكيماوي من الجو بطائرات سوخوي والميغ السوفيتة الشيوعية الصنع، ويهجِّرون ويشرِّدودن مئات الآف من الكرد. 
هنا يتبيّن وللأسف الشديد كم كان المثقف الكردي (اليساري) قاصراً ومتخلفاً وتابعا ذليلا للپاتيزميين ومحكوماً من قبلهم، إلا أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم شيوعيين أمميين أو يساريين تقدميين واثقون حتى النخاع من حتمية الحل الإشتراكي!!! ويناضلون من أجل القضاء على الإمبريالية العالمية.
 

ومن المفارقات أنَّ إسرائيل وعلى لسان رئيس وزرائها بنيامين ناتنياهو أعلنت قبل فترة قصيرة أنها مع حق الكرد في الإستقلال والحرية: "إننا بحاجة إلى دعم التطلعات الكردية من أجل الاستقلال. إنهم يستحقون ذلك، هناك تغيرات تاريخية تحدث في جميع أنحاء المنطقة، وهي ذات تداعيات مهمة للأمن الإسرائيلي ولأمن العالم. لقد وصلت إتفاقية سايكس - بيكو التي شكلت حدود منطقتنا منذ ما يقرب من مائة عام إلى نهايتها".
ومؤخراً طالب سفير اسرائيل لدى الامم المتحدة، رون بروسور، ممثلي خمس دول عظمى و61 دولة اخرى لدى المنظمة الدولية، بدعم استقلال كردستان.
 

لو أن الپاتيزميين صادقون في إدعاءاتهم بصدد الأخوة مع الأكراد، لكانوا أول من يدعم الشعب الكردي وحقه في إستقلال دولته كردستان، ولما أعطوا الفرصة لنتنياهوا وسفيره بروسور من أن ينالا شرف دعم الكرد والدولة الكردية نظرياً على الأقل. هناك مايقارب 56 دولة إسلامية صمتت صمت القبور على جرائم صدام والخميني ضد الأكراد، ولم تستنكر جرائم حلبجة، لذا لا يرتجى منها طبعاً أن تدعم قيام الدولة الكردية المستقلة. اللهم بإستثناء القليل جدا منها ربما.
إذن أين هي هذه الأخوة التي يدعيها الپاتيزميون، أوليسَ من واجب الأخوة هذه مساعدة إخوتهم الكرد في تأسيس دولتهم؟كي يكون الكلام أو التعبير عن الأخوة كلاماً حقيقياً وليس مزيفاً ومخادعاً.
لكن وللأسف الشديد لم نسمع مثل هذا الكلام منهم، بإستثناء أفراد قليلون لايتجاوزون العشرة أو العشرين من بين المثقفين العرب والترك والفرس الذين يعدون بالآلاف أو ربما بعشرات الآلاف. فالپاتيزميون مازالوا يعتبرون إستقلال الكرد خط أحمر غير مسموح تجاوزه، وليس من مصلحة الكرد أن يستقلوا بوطن خاص على حد زعمهم، وكأنهم بل أنهم فعلاً نصبوا أنفسهم أوصياء على الكرد، وكأن الكرد شعب قاصر يحتاج إلى رعايتهم، حتى إنّ الپاتيزميين تدفعهم عجرفتهم وصلفهم وفكرهم التعسفي الإستحواذي وبلا خجل إلى القول بأن كردستان ليست ملكاً للكرد البدو الرّحل، وإنما هي ملكاً لهم، ولهم فقط، وليس للكردي سوى الريح كما عبّر الشاعر محمود درويش في فلتة من فلتات التاريخ. 
 

ما يثير السُّخط والأسى أكثر على هؤلاء الپاتيزميين أنهم يغضُّون الطّرف عن معانقة الساسة الفلسطينيين للإسرئيليين، ولا يحركون ساكناً ضد العلاقات العربية الإسرائيلية، إلا فيما يندر وفقط بالكلام. بينما يشتاظون غضباً من الكردي إذا أقام علاقة مع الإسرائيلي، ليس لأنهم يكرهون إسرائيل، وإنما خوفاً من أن يتقوّى الكرد ويتخلصوا من عبوديتهم للپاتيزميّين. فالپاتيزميّون الترك والفرس كانوا ومازالوا في معظمهم في علاقة طيبة مع الإسرائليين، إلا أنهم يحرّمون هذه العلاقة على الكرد بدافع الأنانية المتغطرسة والقصور الفكري وإنعدام الرؤى الإنسانية لديهم، فالتعصُّب العرقي هو المسيطر وهو الذي يحرك أذهانهم ويفرز هذا الفكر الشوفيني المقيت.
 

والپاتيزميّون ليسوا أقلَّ كُرهاً وحقداً فيما بينهم، والحرب العراقية الإيرانية التي إستغرقت ثمان سنوات عمّقت هذا العداء المستحكم بين الپاتيزميّين العرب والفرس، وما يحدث اليوم يزيده حدة، فالپاتيزميّون الفرس باتوا يسيطرون على أربعة عواصم عربية ويخرّبون تلك البلاد، مستغلين سلاح المذهبية الدينية أفضل إستغلال. والپاتيزميّون في الواقع مختلفون فيما بينهم أشدّ الإختلاف ولا يجمعهم سوى حقدهم وعداءهم السافر للكرد.
كانت العلاقات بين إيران وإسرائيل على أحسن ما يرام قبل جلوس الخميني على عرش الشاه، وتركيا إلى الآن ماتزال علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل قائمة والتبادل الإقتصادي بين البلدين في إزدهار مستمر، والحركات التي يقوم بها أردوغان أحياناً في المنتديات الدولية ليظهر تضامنه مع الفلسطينيين، تشبه لحد ما حركات الخميني عندما جعل من سفارة إسرائيل في طهران سفارة لفلسطين. وغرض الأثنان من هذه الحركات واضح جداً، ألا وهو خداع المسلمين وخاصة العرب للتوغل بينهم وإعادة فرض سيطرتهم عليهم.
لم يتردد الخميني من التعاون مع إسرائيل أثناء حربه مع صدام وإشترى السلاح الإسرائيلي ليقتل به إخوانه العرب السُّنة، ولم يتردد السُّنة العرب بقيادة صدام في شراء الأسلحة من الشيوعيين السوفيت الكفار والغرب الكافر ليقتل به إخوانه الشيعة الإيرانيين تحت راية "الله أكبر". فهم يحللون لأنفسهم التعامل مع إسرائيل والكفار بمختلف أنواعهم وليس في ذلك عليهم من حرج. وبالأمس القريب تعاون الشريف حسين مع بريطانيا والحلفاء عندما خان الخلافة الإسلامية العثمانية وشارك في إنهائها من الوجود بهذا التعاون المبارك،. وإذا تعمقنا في التاريخ نجد أن النبي العربي محمد بن عبدالله طلب من اليهود المساعدة لمحاربة أهل مكة، كما أنّ هذا النبي إستعان بالكفار من بني أميّة ومن بني مروان قبل أن يؤلِّف قلوبهم بالذهب والإبل والنساء في غزوته الأخيرة لقتال العرب الكفار من قبيلتي هوازن  وثقيف في وادي حُنين بين مكة والطائف. كل هذا ليس جُرماً أو إثماً وإنما حلالاً طيّباً وجهاداً في سبيل الله. أما إذا صافح الكرديُّ إسرائيلياً أو أمريكياً وطلب سلاحاً ليخلص نفسه من نير الپاتيزميّين وظلمهم فإن ذلك والعياذ بالله جرم لا يغتفر بنظر العنصريين الپاتيزميّين.
هذه واحدة من المفارقات أو المغالطات التي تعاني منها العقلية الپاتيزمية العقيمة والعمياء، وما تشهده شعوبهم من بؤس وحروب ونزاعات ومشاكل تصادق على هذه العقلية، بل إن كل ذلك الشر هو نتاج هذه العقلية المريضة. لأن النخب هي التي تقود الشعوب إما إلى الإزدهار والتقدم وإما إلى الإنحطاط والتخلف.
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات