القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 364 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: داعش في المختبر السياسي

 
الجمعة 29 اب 2014


 ابراهيم محمود 

    1-    ليس هناك داعش  

 ( نحن نعيش في عالم تزداد فيه المعلومات أكثر فأكثر، بينما يصبح المعنى فيه أقل فأقل .) " جان بودريار "   منذ أقل من سنتين، تنوقل كلامٌ عن أن هناك تنظيماً حديث النشأة على الساحة، أو ما يشبه التنظيم السياسي الديني الطابع وتحت راية إسلامية متشددة وتكفيرية صادمة بشكل غير مسبوق لاحقاً، اسمه " تنظيم دولة العراق والشام " أو " داعش " وتأكَّد تالياً على تكفيريته أن كل من يتهجى الاسم " داعش  " يجلَّد، لما في التهجئة من اختزال وإساءة مقرَّرة للاسم في تكامله.


لكن الحديث الذي جرى، تم تناقله عبر وسائل الإعلام، وأن الصوت والصورة الإعلاميين كانا يخرجان من مكاتب الميديا المحروسة، والمحاطة بأسرار تترى، وأنهما من حيث التشكل كانا يرِدان من نقاط موزعة: رصدية في العالم بطابعها الفضائي والخبري المسنَد إلى وكالات عالمية لا تخفي سيطرتها على " الحقيقة " المرتبطة بأي شيء، ولأن هناك تنوعاً وتداخلاً بين مصدر وآخر، بحيث يسهل القول أن المبثوث عبر شاشات التلفزة، وعلى ألسنة المراسلين أنفسهم 
أحياناً، وعبر الإذاعات وفي الوسائط الإعلامية...الخ، يتطلب المزيد من التدقيق والتروي، انطلاقاً من تجارب متراكم تخص الزيف في حقيقة " الينابيع " . تردَّد خبر " داعش " واسم " داعش " وكان اهتمام الناس وحتى المعنيين بمثل هذه المعلومات الجديدة عادياً، لا بل ربما كان هناك نوع من التهكم على الاسم وسخرية من المتداوَل بمفهومه وعدم اكتراث، لأنه كان يضاف ، بيسر وسريعاً، إلى غيره من الأسماء المعهودة. 
  بدا " داعش " صورة هيكلية أكثر من كونها تأريخاً لحدث محتَسب يمكن التوقف عنده، حتى مع رؤية أولئك الذين يمثّلون" داعش " في لباسهم الذي أصبح مألوفاً جداً جرّاء تكرار العرض، جرّاء كثافة الحضور، الأمر الذي عمّق في الفضول بالنسبة للذين يثيرون في الإعلام ومن وراءه: ولادة، وتربية وتوجيه مثار، وعلى وقع الأحداث المتفجرة التي شهدتها وتشهدها المنطقة: العربية وغير العربية، وكون " داعش " يحمل علامة دينية إسلامية، إلى درجة زيادة درجة الشك في " اللعبة " الإعلامية بمنحاها العالمي : الأميركي قبل كل شيء، ومغذيات اللعبة والأهداف المرتبطة بها مصالحياً . 
  ليس هناك داعش، إنما ما يشبه داعش، باعتباره اختلاقاً إعلامياً متعدي الحسية والمباشرة المألوفتين عبر مضخة سياسية ضخمة، تحمل اسم وكالة أنباء عالمية، لكنها، ومن باب الاستحالة، القيام بواجبها دون رعاية صناع القرار الاستراتيجيين، وهم خبراء لهم أتم الصلات مع نقاط رصد وتحكم وتفعيل وتعزيز وتحريك وتقييم مخابراتية، كما لو أن الحدث المركَّب يسيطر على الواقع، عبر صور لا أسهل من فبركتها، وخصوصاً في ضوء التطور المذهل في التكنترونيات " التقنيات الالكترونية " التي تنتمي إلى عالم ما بعد بعد الحداثة ذاتها، وليكون العالم الحي في نطاق ما يوجَّه إليه وفيه، وكأن هناك نفاداً للحقيقة الحقيقية . 
  في الانفجار المعلوماتي تتناثر أشلاء الحقيقة بمفهومها العضوي، تكون لدينا أشلاء بالكاد تكون متجاورة، وحتى في بروزها، فإنها تفتقر إلى اللحمة وتأكيد الصورة القادرة على منح المعني الفعلي شعوراً بيقين ما بمصداقية المرسَل. 
  لا بد أن تطرَح أسئلة تلو أخرى عن نشأة داعش، وكيف ظهر داعش، وقدّر له أن يعرَف بهذا الحضور " الفتاك "؟! 
  لنبق عند هذا المنحدر شديد الوعورة جداً، كما هو الممكن النظر فيه " داعشياً " وفي تجليه الخبري العالمي .
  إن ما يمكن قوله بداية، أنه منذ عقود زمنية طويلة، وحتى الآن، جرى ربط كل حدث، بوصفه حدثاً بما سمّي ولعله يسمى حتى الآن بـ" القطب الأوحد ": الولايات المتحدة الأميركية، حيث ما من حركة دابة على الأرض إلا وتكون هذه مهتمة بأمرها، لأن من المحتمل أن تؤدي في حركتها دوراً، أو تنتج " فعلاً " يهمها موقعاً وانتشار قوة وتثبيت سلطة، وبالمقابل، كما الحال هنا، لا بد أن نشخص أي حركة، مهما بدت صغيرة أو متناهيته، من خلال تمركز القطب المتحرك هذا، أي أن نقارب " داعش " باعتباره " كتنظيم " وهو بوعوده المصالحية لمن اهتم به، يستحيل متابعة أي تحرك له، فيه بعيداً عن هذا القطب العالمي، بالعكس، إن من الخطأ القاتل بمكان تصور ذلك، وكما هو المكاشَف حتى اللحظة. 
  أكان داعش تصوراً يستمد بعضاً من مستلهماته السياسية من التاريخ القريب جداً لما هو ديني، إسلامي خاص وما يمكن أن يكون له مردود يصب في مصلح القطب هذا، أكثر من كونه حضور قوة على الأرض والسعي إلى الاهتمام بها ؟
  لننطلق من الفراغ المأهول بالمعنى اللامتوقَّع، من الخيال المركَّب، من اللاحضور، اللاموجود، اللاعياني، من الإعلام الكوكبي: الميديائي الذي يمارس غزواته الفضائية أو الكوكبية الهائلة والمريعة، إلى جانب ممارسة تحكم لا يوصَف في النفوس والرؤوس، بحيث يصبح الصدق فيما يجري تلقيه، وليس فيما يكون مرئياً، يكون ما ليس واقعياً متحكماً بالواقع . 
  إنه حكم " العادة " ربما، ولكن ليس أي عادة بيتوتية، زقاقية، محلية، إنما عادة تكتسب جنسية كروية أرضية، بله، كونية تحمل بصمة أميركية قبل غيرها، العادة التي أصبحت توجه أغلب ما بات الناس يتفكرونه ويتدبرونه اعتماداً على غواية العادة تلك " ودون حصر هذه المرة ": الحقيقة حيث تكون أميركية، والحقيقة حيث يتصدى المرئي والمسموع تلفزيونياً، وما يبث الكترونياً وهو يخفي الدمغة الأميركية، لأن ثمة تصوراً مسبقاً للقوة، للتهديد والوعيد كذلك .  ليس هناك داعش، لأن ما فعّل لداعش، وعبر ساحات دول، لا بد أن يستند إلى قوى لوجستية واعتبارية عالية المستوى، وأن محرك داعش لا وجود له فعلياً في مضمار دولة محددة، وإنما يظهر وكأنه نابت، مستنبت في كل دولة، مع تفاوت في النسبة وعملية الظهور والتبلور، ليضرب الوهم " هامة " اليقين ويطيح به بعيداً . 
  لنعد إلى الوراء قليلاً، حيث وجّه صدام حسين بنظامه لإعلان الحرب على إيران، وظهر العراق كأنه المستقل بما قام به من إجراءات حرب وغيرها، لننظر في الفظائع المرتكبة في عهده " عمليات الأنفال، مذبحة حلبجه "، ثم غزو الكويت، والهجرة المليونية الكردية في العراق، وكيفية تصوير النظام عالمياً، وتكثيف الأنظار عليه ثم ضربه.. 
  برزت العملية في كلّيتها لعبة، لعبة إعلامية مخطّط لها منذ البداية، دون أن يعني ذلك عدم واقعيتها، وإنما من خلال نقاط الاستناد شديدة التمركز والخفاء في تحريك المعنيين باللعبة عن قرب، ومن ثم الانقضاض عند اللزوم لتحقيق المبتغى. 
  تكون أميركا الوهم أكثر من كونه اليقين، الزيف، أكثر من كونه الحقيقة، من خلال الأسطول الكوني الهائل والرهيب للإعلام العائد إليها ومن يرتبط بها سياسياً، وما يعنيه عنف العالم وكيف يجري التحكم فيه ضمن حدود لافتة. 
  ليس هناك داعش، لا يلغي تاريخية داعش، وإنما يحيل القضية برمّتها إلى المورّث الإعلامي وطرق إمداده، ونفاذ سحره الكبير والخطير جداً في توجيه مشاعر مئات مئات الملايين من البشر، وحتى أذواقهم وإيقاع نبضاتهم كثيراً كثيراً ..
 ====   
  ملاحظة: حاولت جاهداً كتابة الموضوع بالطريقة هذه، واعتباره قابلاً للمناقشة على أكثر من صعيد، دون أن أخفي، وبوضوح تام، صلته وعن قرب تماماً، هو في حلقته الأولى، وتالياً، بما أثاره المفكر الفرنسي الراحل جان بودريار1929-2007، في ثلاثة مقالات نشرها في صحيفة" ليبراسيون " الفرنسية في أعقاب حرب الخليج 1991، تأثراً بوطأة الإعلام الأميركي ومآله، وما أثارته المقالات الثلاثة من ردود أفعال صاخبة وشديدة، حول تطرف الفكرة، إنما طرافتها كذلك، وجاء الأول هكذا، كما هو معروف لمن لديه أقل إلمام بموضوع شيّق ومعقد كهذا " حرب الخليج لن تقع " 
  La Guerre du Gulfe n,aura pas lieu  
وليظهر كتاب حاملاً إياها معاً وباسم المقال الأخير " حرب الخليج لم تقع "، ولعلّي استفدت كثيراً من هذا التسلسل، كما سيظهر لاحقاً .
  إلى جانب أنني استفدت من قراءة كتابه الآخر" المصطنع والاصطناع " الترجمة العربية ، بيروت، 2008، والمقدمة الشيقة للمترجم: د. جوزيف عبدالله ، وكذلك النقد الموجَّه إلى بودريار في كتاب كريستوفر نوريس: نظرية لانقدية، الترجمة العربية،1999، صص 9-15، وما أثرته في تقديمي لكتاب: عنف العالم ، لبودريار- إدغار موران، دار الحوار، اللاذقية،2005، من تصورات وتعليقات وكذلك في نهاية الكتاب بصدد مفهوم العنف في العالم، والأميركي حصراً، إنما دون ألزم نفسي بمفهوم النسخ، لاختلاف المعطيات زماناً ومكاناً .
  الفارق كبير جداً بين التصورين، لكن العلاقة قائمة بشكل لافت، ولعلها مغامرة كتابية في أسها وأساسها، على الأقل في مستوى ما أراده بودريار وهو يقدّم ما فوق الواقع على الواقع، وربما من قبيل خرق المألوف ولو بما يصدم أحياناً..  

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.