القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 614 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: البيشمه ركه... رجال التاريخ وفرسان الشرف

 
الخميس 04 كانون الثاني 2007

كفاح محمود كريم
Kmk_info@yahoo.com  

  في تاريخ الشعوب التي تبحث لنفسها عن موضع تحت الشمس وأرض تحمل عنوانها وكينونتها، رجال ونساء ليسوا كالآخرين من غيرهم، يحملون أعباء صيرورة شعوبهم وكينونة أوطانهم. فيندفعون بثقل ما يحملون من آمال وآلام لتحقيق أهدافا سامية لا يختلف فيها اثنان من أسوياء البشر.
    ولعلنا إذا ما تصفحنا وريقات من تاريخ الشعوب، سنرى أولئك الذين استبدلوا حياتهم بحياة شعوبهم وأهدافهم الشخصية بأهداف ومصالح أوطانهم العليا، فاستغنوا بداية عن نعومة الحياة المستكينة والخانعة، ورفضوا مجموعة القيم التي فرضها المستعمر أو النظام السياسي المستبد وآلوا على أنفسهم أن يتحملوا أوزار ذلك الموقف مع الحياة لهم ولعائلاتهم. وما يترتب عن ذلك من شضف العيش ومسابقة الموت وتشرد أسرهم وحرمان أطفالهم حتى من حق التعليم.

   وفي كوردستان انطلقت مجاميع من الرجال منذ مطلع القرن الماضي ومن كل شرائح المجتمع الكوردستاني وطبقاته ومستوياته الثقافية والحضارية، يجمعها ويوحدها ذلك الإحساس العالي بالمسؤولية تجاه ما يجري وما يقترف على ارض وشعب كوردستان.
   منذ البدء لم تكن هناك نظريات وأيديولوجيات لانطلاقة هؤلاء الرجال والنساء إلا قضية شعبهم ووطنهم المنتهك والممزق بين بقايا إمبراطوريات عفا عليها الزمن وتعفنت بأفكارٍ شوفينية مقيتة، استعمرت بها واحدا من أكثر شعوب الأرض حبا للحياة والعمل وأكثرها صفاء ونقاء سريرة، وإيثار لا مثيل له بين شعوب الأرض إلا ما ندر.
   لقد آثر هذا الشعب على نفسه تلك الشعوب والأعراق التي اشتركت معه في الأرض بحكم اعتناقهم لدين واحد وقبلها أي قبل الأديان الرئيسية، بحكم الشعور الإنساني والطبيعة المتحضرة والراقية لتكوين هذا الشعب وإنسانيته وعزوفه عن الحرب والعنف وحب السيطرة والاستعمار، ونزعته إلى التعايش السلمي والإنساني بين كل بني البشر دونما تفريق أو تعالٍ عرقي أو ديني.
   ويشهد تاريخ تلك الشعوب التي تستعمر اليوم هذا الشعب وتحتل أراضيه وتستحوذ على خيراته وثرواته، مناقب ومواقف وآثار الكورد في تاريخهم الحضاري والديني والعسكري والعلمي وفي كل مناحي الحياة، فلقد حارب الكورد معهم يدا بيد في كل معاركهم وحروبهم عبر التاريخ واحتضنت ثرى تلك البلدان الملايين من خيرة رجال ومقاتلي الكورد دفاعا عن تلك الشعوب وصراعاتها وأهدافها ومصالحها العليا منذ أكثر من ألف عام وحتى يومنا هذا.
   ومثل ما تشهد المعارك والحروب لمواقف المقاتلين الكورد ابتداءً من صلاح الدين الايوبي والى كل الضباط والجنود الذين عملوا في جيوش العراق وسوريا وتركيا وإيران، فإنها أيضا تشهد بروعة علماء وقضاة وأساتذة وأدباء ووزراء الكورد في تاريخ تلك الشعوب، وفي كل حقول المعرفة والنشاط الإنساني. حيث عرف هذا الإنسان بجديته وإخلاصه ودقته وتفانيه ونزاهته في الواجب والعمل المناط به، وتتذكر هذه الشعوب ومؤسساتها المدنية بفخر واحترام أولئك الكورد من الكوادر الذين عملوا في كل حقول الحياة التربوية والاجتماعية والإدارية والقضائية في مناطقهم خارج كوردستان سواء في العراق أو إيران وتركيا وسوريا.
   فما زال الآلاف وربما الملايين يذكرون معلميهم ومدرسيهم وأساتذتهم الكورد من البصرة وحتى أقصى غرب العراق وغير ذلك من الأطباء والقضاة والموظفين المدنيين والعسكريين ممن كانوا يبعدون أو يعينون في الجنوب والوسط أو الغرب من العراق، بكل فخر واعتزاز ومديح لأخلاقهم وسلوكهم ودقتهم واحترامهم للمجتمعات التي يعملون فيها ولتقاليدها وعاداتها ونظمها.
   وإزاء ذلك وعبر تاريخ طويل منذ تأسيس الدولة العراقية لا يتذكر سكان كوردستان من مؤسسات هذه الدولة وموظفيها من غير الكورد ( إلا ما ندر ) سوى الدماء والدموع والدمار عبر عشرات السنين، ومن قلب هذه المأساة خرج أولئك الذين زرعوا قيمهم الخلاقة أينما ذهبوا، إلى الجبال صديقتهم الوحيدة على الأرض كي يتصدوا لهجوم التخلف والعنصرية وانتهاك حقوق الإنسان.
   لم يكونو رجال حرب بمفهوم مجرد، بل كانوا ثوارا ومعلمون ورجال سلام ودفاع عن حقوق الإنسان أينما كان ومهما كان، ولعل تعاملهم مع الأسرى من جنود العدو وضباطه يعكس سمو أخلاقهم ورفعة مدرستهم الفكرية التي قادتهم باتجاه تحرير الإنسان لا تدميره وبناء الوطن على أسس حضارية وديمقراطية من خلال مفردات التعامل مع العدو والصديق.
  ويتذكر العراقيون من الجنود والضباط الذين تم أسرهم من قبل قوات البيشمه  ركه  بفخر واعتزاز وإعجاب معاملتهم لهم وسلوكهم الإنساني المنقطع النظير في هكذا مواقف وحالات. ولعل أبرز ما يميز تجربة البيشمه ركه هي تعاملها مع العدو وأفراده بافتراض أنهم مغصوبين على أمرهم وما يترتب على ذلك من إعفائهم من كثير من الجرائم ومعاملتهم كأفراد من أفراد الشعب وإعادتهم فورا إلى ذويهم دونما تأخير أو مماطلة، رغم أن الكثير منهم أي من الأسرى رفض العودة بل تطوع هو الآخر كبيشمه ركه متأثرا بأخلاق وسلوك هذه القوات وتعاملها مع العدو وأفراده ومع الشعب وقواه.
   لم تك قوات البيشمه ركه قوى وقطعات عسكرية فحسب، بل كانت مؤسسات للتربية والتعليم ودوائر للصحة والزراعة والبيئة والأعلام والثقافة، إلى جانب واجباتها العسكرية في الدفاع عن الشعب وحقوقه.
   بحق كانت البيشمه ركه مدرسة للأخلاق الرفيعة والشرف السامي للشعب وقواه، بصرف النظر عن طبقاته وفعالياته السياسية ومدارسه الفكرية، فلقد استطاع البارزاني مصطفى منذ أكثر من ستين عاما وهو القائد العام لهذه القوات وموجهها الفكري والأخلاقي أن ينشأ منظومة أخلاقية اجتماعية عسكرية ذات قدسية وهيبة واحترام لدى كل طبقات الشعب ومفاصله ألا وهي البيشمه ركه التي حافظت مع الأيام والسنين وشدة المواقف ومآسيها في الحروب على مستويات عالية من الأخلاق والإنسانية والفروسية في تعاملها مع مفردات تلك المواقف، ولعل الدرس الأكبر لتطبيقات أفكار البارزاني الخالد في سلوك البيشمه ركه كان يتجلى في سلوكها الرفيع في انتفاضة آذار وسقوط عدة فيالق عسكرية في أسرها والآلاف من الموظفين والعمال من خارج إقليم كوردستان ممن كانوا يعملون في الإقليم، وليس ما حدث بعد انهيار نظام البعث وهروب قياداته ودخول قوات البيشمه ركه إلى مدن الموصل وتلعفر و سنجار وزمار ومخمور وكركوك وخانقين وتكريت وبعقوبة والحفاظ فيها على الأمن العام دونما وقوع عملية انتقام واحدة، بل على العكس قامت بحماية عوائل قيادات البعثيين والعسكريين الهاربين خارج المدن أو إلى دول الجوار والحفاظ وحماية عوائلهم من النساء والأطفال من أي محاولة للانتقام من الشعب، رغم ما تكتنزه ذاكرتهم من مآسي وجرائم قامت بها القوات العسكرية العراقية أو ميليشيا حزب البعث حينما كانت تنتشر قواطعها في قرى وبلدات كوردستان فتعيث في الأرض فسادا وسلبا ونهبا وتقتيلا، رغم ذلك كله لم تسجل حالة خرق واحدة تذكر لقوات البيشمه ركه بعد الانتفاضة أو بعد انهيار النظام العراقي في نيسان 2003 .
   لقد كانت هذه السلوكيات هي التطبيقات الفعلية لأخلاقيات البيشمه ركه وأفكار وتوجيهات قائدها العام وموجهها البارزاني مصطفى منذ أواسط القرن الماضي وحتى هذا اليوم، وبصرف النظر عن الاختلافات الفكرية والسياسية وتنوع الاجتهادات الحزبية فقد حافظت هذه المؤسسة على نهجها الأخلاقي السامي وبقت مؤسسة للشعب بأجمعه مع اختلاف تنوعه الفكري والسياسي. فالفرد في قوات البيشمه ركه هو ذلك الإنسان الكوردستاني المحترم والراقي الذي يمثل عنفوان شعبه ووطنه وطموح اجيال واجيال في هذه المؤسسة الوطنية الراقية. التي ورثت موقعا كبيرا ومؤثرا في سيكولوجية الشعب الكوردستاني باختلاف أعراقه وأديانه وطبقاته، فهي محط احترام بالغ من كل الشعب وأحزابه ومنظماته المدنية لما قدمته طيلة عقود من النضال بين أوساطه واعتمدت في تشكيلاتها على نوعيات خالصة من أفراد الشعب، أولئك الذين استبدلوا حياتهم بحياة وطنهم وشعبهم، فكانوا بحق رجال للتاريخ وفرسان للشمس والشرف.
   
  

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات