القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 411 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

كيف نفهم الحرية مع مشاعر الأنثى - الحلقة / 14/

 
الأثنين 20 تشرين الثاني 2006

نارين عمر    

قبل أيّام انشغل النّاسُ في المنطقة بقصّة بدتْ لهم مثيرة وطريفة لا لأنّهم لم يألفوا سماع مثلها بل لأنّ مسبّبات حدوثها بدت غريبة وغير مألوفة لديهم وتتلخّصُ أحداث القصّة في الآتي: امرأة شابّة وكغيرها من بنات جيلها أحسّتْ قبل سنواتٍ بمشاعر الفخر والكبرياء ترفرفُ في كلّ خلاياها وهي تجدُ الخطّاب المعجبين بها يطلبونها للزّواج وازداد سرورها بارتباطها بمَنْ تهوى وتحبّ ليكون شريك المرحلة الثانية من عمرها وسعدتْ بزفافها ككلّ الفتيات وهي تجدُ نفسها أميرة يزيّنها فستان العروس وعلى هامتها التاج الملكي الذي يضفي عليها أنوثة وروعة وبعد أشهر من الزّواج تشعرُ بأنّ العالم كله بوسعه والكون بطوله وعرضه لا يسعها فهناك سعادة من نوع آخر تنتظرها


 نعم وهل هناك سعادة أسمى من إحساس المرأة بأنّها ستصبحُ أمّاً بعد أن نصبّها زواجها سيّدة حرّة مستقلة وتزدادُ سعادتها بمجيء ابنتها البكر وينشغل الكلّ بها كونها المولود الأوّل ولكنّ الصّدمة تأتي بعد سنوات حيثُ يشاءُ القدر أن يهبها أربع بنات وبعد الرّابعة تأتيها الضّربة القاضية حين يخبرها الأطباء بضرورة استئصال بيت رحمها حفاظاً على حياتها ومن هنا تتوالى الكوارثُ عليها وتهدّ شيئاً فشيئاً الأساس المتين لبنيان سعادةٍ كانت تأملُ وتتأمّلُ أن يضمّها مع أسرتها إلى الأبد وفي يوم مكفهرّ يتسللُ إلى عمق شعورها وعبر ذبذباتٍ صوتيةٍ مثيرة رغبة زوجها بالزّّواج من امرأةٍ أخرى تكون قادرة على إنجاب الوريث الشّرعي له / الولد الذكر/ويُقال إنّ زوجها هو مَنْ فاتحها بالموضوع وكان حريصاً كلّ الحرص على استشارتها واحترام مشاعرها وأكد لها على أنّه قرّر ذلك نزولاً عند رغبة الأهل كونه الابن الوحيد للعائلة ويجب أن يرزق بولدٍ ذكر يحافظ على إرث العائلة ويحمل اسمها ويُقال أيضاً أنّها أبدتْ تفهّمها لرغبة الزّوج ولم يلحظ عليها أيّة علامةٍ تدلّ على الرّفض أو النّفور) ولكنّهم فوجئوا بعد حين بطلقاتٍ تصدر من مسدّس مجنون تخترق مكامن الحسّ واللاحسّ في طبقات رأسها السّفلى والعليا منذرة تهشّم جسدها واختفائه عن الأنظار بعدما هجرته الرّوحُ الحزينة البائسة لتتوه في رحلة بحثٍ عن عوالم أخرى لعلها تجدُ فيها أملاً يقضي على كابوس يأسها وانكسارها  وعلى كرامةٍ تعيد لها بعض كبريائها المدنّس. 
فيما ذكرتُ تتلخّصُ أحداثُ القصّة وهي تبدو عادية للوهلة الأولى ولكنّ ما أثير حول القصّة وحول بطلتها هو ما يثيرُ الدّهشة والاستغراب فقد أبدى معظمُ مَنْ استمع إلى قصّة هذه المرأة اشمئزازهم ومعارضتهم الشّديدة على هذا العمل الذي قامت به ووجدوا في سبب انتحارها بأنّه تافه وغير مبرّر وأعادوا ذلك لأسبابٍ عدّة: 
أوّلاً: لأنّها لم تنجب سوى البنات ومن حقّ الرّجل أن يتزوّجَ بامرأةٍ أخرى ليرزقه الله بولدٍ ذكر يحملُ اسمه واسم عائلته وهذا محلّلٌ شرعاً وقانوناً خاصّة وأنّ هذا الرّجل وحيدُ أبويه. 
  ثانياً: هي امرأة أنانية في نظر البعض لأنّها لم تفكر إلا بنفسها فقط فلو كانت أمّاً حنوناً وعطوفاً لفكرتْ ببناتها ولما تركتهم فريسة للزّمن وتقلباته, ولفكرتْ بزوجها المسكين الذي تحمّلها حتى أنجبتْ الابنة الرّابعة وقطع الأمل نهائياً بقدرتها على الإنجاب مرّة أخرى.
ثالثاً: تظلّ المرأة هي امرأة والرّجل هو رجل وهو مَنْ يشعرُ بالمهانة الشّخصية وجرح الكبرياء بين أهله وأفراد المجتمع ككل إذا ظلّ أباً للبنات فقط ووراثته ستذهب إلى اخوته أو أبناء عمومته من الذكور وأولادهم.
 رابعاً: هي بارتكابها لهذا الفعل المشين قد أغضبت الله وشرعه الذي حرّم على الإنسان قتل نفسه تحت أيّة ذريعةٍ
 كانتْ هذه أبرز الملاحظات والاعتراضات التي أبداها النّاسُ حول انتحار المرأة ولكن ألا يحقّ لنا أيضاً أن نطرحَ عليهم بعض الأسئلة: لماذا نسيتم أو تناسيتم السّبب الحقيقي وراء انتحارها؟ لماذا تخلقون عشرات المبرّرات والمسوّغات لأنفسكم مع إيمانكم الأكيد بهشاشتها وضعفها أحياناً؟؟!! 
 الدّافع الذي دفع بتلك المرأة إلى الانتحار هو باختصار سببٌ نابعٌ من عمق أنوثتها وكبريائها ممزوجٌ بمشاعر صادقة أصابتها مدية الغدر في الصّميم. السّببُ هو شعورها بانتهائها نفسياً وروحياً من هذا الوجود والكون بعد أن تحلّ محلّها أخرى فلمَ لا تجهزُ على الجسد المنهك المنهار, فهل هناك أمّ يمكنها التخلي عن أولادها بهذه السّهولة التي تتخيّلونها؟؟
  يا ناس لماذا تتعاملون مع المرأة بهذه السّذاجة والسّطحية؟؟ لماذا تهملون نفسية المرأة وما تحتضنه من عواطف جيّاشة وما تحمله هذه من مشاعر وأحاسيس دفاقة يخفقُ كلّ نبض فيها بالحبّ والحنان والرّأفة حتى وإن أبدى ظاهرها أحياناً بعض القسوة واللامبالاة فإنّه يكون عبارة عن دفاع عن النفس والاستمرارية. 
 يا أصحاب الأقلام النّابضة والمبادئ الفيّاضة والقيم: لماذا تهملون كلّ هذه المشاعر والأحاسيس وتدوسون عليها عن سابق إصرار وتصميم؟! وتشعلون فيها نيران أنانيتكم وآرائكم ؟؟ لماذا تبرّرون للرّجل بالزّواج بامرأةٍ أخرى بسببٍ وبدون سبب؟ وتزيدون من مرارتها وتعاستها إذ تشاركون هذا الرّجل في جرمه فتباركون له وتكرّمونه علناً وتبرّرون للذي يطلّق زوجته بحق وبغير وجه حقّ وتقذفون بكلّ سموم اللوم والعتاب على المرأة التي لم تحسن التّصرّف معه, وتخلقون مختلف التبريرات لِمَنْ يقسو على زوجته ويظلمها؟؟!! والأمرّ في كلّ ذلك هو ما نتباهى به ونطلقه من أقاويل مصطنعة من قبيل: إنّ هذا الرّجل يمارسُ حرّيته الشّخصية في التّصرّف بحياته الشّخصية والاجتماعية وليس لنا أيّ دخل به وبتصرّفاته. 
 راجعوا أنفسكم بل لنراجع نفسنا كنساءٍ ورجال في العام مرّة واحدة ولننظر للمرأة كإنسان مجبول من الرّوح والشّعور ولنتعاطف معها بصدق عندها سنكتشف الأخطاء التي نقع فيها لأنّ الحرّية لفظ مقدّس علينا أن نراعي هذه القدسية لا أن نتعدّى عليها بأفكارنا وآرائنا التي تنمّ عن أنانيتنا وتطلعاتنا  مع مَنْ يرتكبون حماقاتٍ وينجرفون وراء رغباتهم الآنية. 
الحرّية لاتطلبُ منّا المساهمة في تحطيم النّفوس والإجهاز عليها بل الحرّية تطالبنا بالتعامل مع أنفسنا ومع الآخرين بالمثل.
 
وإلى لقاءٍ آخر وموضوع متجدّد.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.2
تصويتات: 5


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات