القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 356 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: سَرايا الدراويش للنهي عن المنكر في كردستان

 
الأثنين 05 كانون الأول 2011


د. آلان كيكاني

الغزوة هي كل هجوم شنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبقيادته على أعدائه من مشركي قريش واليهود بغية حملهم على الإسلام أو قطع الطريق على قوافل تجارتهم , وعادة ما كانت تنتهي بقتل وسلب وسبي لتتوزع هذه الغنائم على المشاركين في الغزوة . وللغنائم مرادف في الأدبيات الإسلامية هو الأنفال , وكلمة الأنفال هذه ذات ذكريات مريرة وسوداء لدى الكرد , حيث تدل في القاموس الكردي على عمليات الأنفال التي شنها صدام حسين على أكراد العراق والتي أدت إلى سقوط عشرات الآلاف منهم قتلاً ووأداً وتسميماً بالكيماويات ناهيك عن النهب والسلب والسبي , ولا تزال آثار عمليات الأنفال ماثلة حتى الآن بعد مرور أكثر من عقدين عليها .


أما السَرية فهي كل غزوة للمسلمين على أعدائهم لم يقدها محمد بنفسه وإنما ولى عليها قائداً من أصحابه , كالسرية التي بعثها الرسول لمناوشة الروم في تبوك بقيادة زيد بن حارثة .
يكاد المرء يصاب بصعقة عند سماع أنباء عن أعمال يقوم بها بعض الشباب الكردي في كردستان العراق , إذ أن مثل هذا السلوك أقل ما يقال عنه أنه دليل انزلاق الشباب هناك نحو تطرف ديني لم يعهده الكرد في تاريخهم .
" هجوم على محلات بيع الخمور بعد صلاة الجمعة في زاخو " هذا هو عنوان لخبر طازج ورد من كردستان العراق . خبر لا يبشر بالخير أبداً لأن مثل هذه الأفعال لا يقوم بها إلا متطرفون من طراز تنظيم القاعدة أو طالبان أفغانستان أو مجاهدي الصومال . وبالتالي لا بصيص أمل في مخيلة هؤلاء المتطرفين نحو الانفتاح والبناء والديمقراطية واحترام الآخر .
يمكنك الامتناع عن شرب الخمر أو المتاجرة به إن كنت تجده حراماً إلا أنك لست وصياً على الناس ولست وكيلاً لله على عباده كي تمنعهم من شربه أو أو تصنيعه أو الاتجار به . لا اعتقد أن خمارة لليهود لو وجدت في المدينة المنورة أيام النبي محمد لأرسل إليها من يدمرها , فالرجل كان على عهد مع اليهود حتى ينقضه اليهود أنفسهم ويدسون له ولأصحابه الدسائس ويحبكون لهم المؤامرات عندها كان محمد لهم بالمرصاد .
الخمر حرم في الإسلام بالتقسيط الممل وعلى مدار سنوات ولم يبعث محمد أصحابه لتخريب مكامن الخمور وتجفيف منابعها على غفلة مثلما يفعل مجاهدو كردستان في هذه الأيام . ففي البدأ بيّن القرآن أن في الخمر منافع وأضرار ولكن الضرر يفوق النفع دون أن يوضح حكماً شرعياً فيه حيث قال الله تعالى :"  يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " . وبالفعل , فللخمر منافع كثيرة مدونة في أمهات كتب الطب فالقليل منه لا ينعش الروح فحسب وإنما ينعش القلب والشرايين ويمد الجسم بالطاقة والحيوية ويسعف النفس بالتخلص مؤقتاً من الهم والقلق , إلا أن هذه المنافع تتحول إلى مضار لو أكثر الإنسان من تناول الخمر مثل تشمع في الكبد والتهاب في البنكرياس ناهيك عن أثاره الإجتماعية المدمرة أحيانا . وكان من أصحاب محمد من يدعو الله ويقول " اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً " حتى تتالت الآيات في الخمر وانتهت بتحريمه . ففي المرحلة الثانية جاء في القرآن ما يهيب بالمسلمين عدم الاقتراب من الصلاة بعد تناول الخمر كي يعرفوا ما يقولون في صلاتهم ولا يقرأوا القرآن خطأً ويقلبوا معانيه حيث قال الله " يا أَيُّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأَنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " . وفي المرحلة الأخيرة ورد في القرآن بيانٌ واضح بتحريم الخمر كما في الآية التالية : "  يا أَيها الذين آمنوا إِنما الخمر والميسر والأنصاب والأَزلام رجس من عمل الشيطَان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " , واتفق الفقهاء والمفسرون أن اجتناب الخمر يشمل تحريم كل من شربه ومجالسة شاربه وحمله وتصنيعه والاتجار به . تحريم الخمر  لم يحمل المسلمين آنذاك على الهجوم على معاقل اليهود والمشركين  بحجة أن فيها خموراً حرمها الله وإنما حملهم على اجتنابه وفق الآية الكريمة " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر " والحديث الشريف " لا إكراه في الدين وقد تبين الرشد من الغي ".
الخمرة في قفص الاتهام إذن في كردستان العراق , يلاحقها جيش من الدراويش ليقتلوها وينقذوا المؤمنين من شرها ! تلك التي تغنى بها أحمدي خاني وحافظ شيرازي وعمر الخيام , وتلك التي رافقت كل نغمة أبدع فيها محمد عارف جزيري وهو يحمل طنبوره ويتنقل من قصبة إلى أخرى في أرجاء كردستان يحافظ على الثقافة والتراث الكرديين من الضياع  بعد أن حكم عليهما أعداء الكرد بالوأد . لا أريد هنا أن أبدو كمدافع عن الخمر وإنما كمدافع عن الحرية الشخصية للناس على اختلاف مللهم ونحلهم فاحترام هذه الحرية هو ألفباء السلوك الحضاري ومعيار رقي الأمم ومقياس التمدن فيها , ناهيك على أن كردستان موطن للعديد من الاديان والطوائف كالإيزيديين والمسيحيين والكاكائيين والشيعة والسنة وليست كل هذه الطوائف تحرم الخمر , فلمَ الحكم عليها بالموت ؟ هذا من جهة , أما من الجهة الثانية فللإقليم برلمان يسن من الدساتير ما يتوافق مع حياة المواطنين عامة فهو المخول بمنع الخمر أو سماحه وليس سرايا الدراويش في كردستان .
التطرف الديني في كردستان العراق ليس وليد اللحظة بل هناك من يغذيه منذ عقود لتركيع الكردي بالإسلام بعد أن عجزوا عن تركيعه بالمدفعية والغازات السامة . بعد انهيار عرش الطاغية في بغداد انفلت الوضع الأمني حيناً , وهاجر العراق معظم أطبائه للنجاة بأنفسهم وأهليهم من القتل أو الاختطاف طمعاً في الفدية فأضحت سورية قبلة للكثير من المرضى العراقيين , وكان لكاتب هذه السطور نصيباً من هؤلاء المرضى بحكم صداقات تجمعه بأشخاص من دهوك وزاخو وهولير , حيث كنت لفترة على احتكاك يومي مع كرد العراق , ولشد ما أذهلني تغلغل الفكر الديني المتطرف في أعماقهم , ذلك الذي لا يعرف للتسامح معنىً ولا للآخر احتراماً . سألت مرة جماعة من خمسة شباب في مقتبل العمر عن مرقد المطرب الكردي الكبير محمد عارف جزراوي أين يقع , وكنت على علم مسبق أنه في دهوك ولكن أردت التأكد إلا أن للشباب كان رأياً آخر أصابني بالذهول واقشعر له بدني حين أقسم أكبرهم سناً وأكثرهم علماً أن أرض دهوك لفظت جيفة هذا النكرة بعد دفنه لأنه كان يشرب الخمر في حياته ومن ثم التهمته الكلاب .
كان على حكومة الإقليم خلال العقدين الماضيين كبح جماح هذه الجماعات المتطرفة بدلاً من السكوت عن أفعالها ومسايرتها , وللأسف فضلت هذه الحكومة ترك هذه الجماعات ترتع وتمرح وتتكاثر وتنتشر وتبني أوكارها بحرية دون أن يردها راد أو يصدها صاد , ففي الأمس القريب رأينا على اليوتيوب كيف أن خطيباً من خطباء الجمعة في دهوك يدعو المصلين إلى قتل الإيزيديين ويحلل دمهم ومن ثم هبط هذا العلامة عن منبره وصلى بالمؤمنين وعاد إلى بيته دون أن يُمس بأذى وهو حتى الآن حر طليق ينشر سمومه ويمارس إرهابه الفكري على منابر المساجد في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الحكومة .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لا يقدم تركي إسلامي على حرق متجر لبيع الخمور في اسطنبول أو يفجر بيتاً للدعارة فيها ؟ عدد الإسلاميين في اسطنبول وحدها يفوق عدد سكان كردستان العراق فلماذا لا يدمر هؤلاء أوكار الفسق والفجور بينما يقدم إسلاميونا نحن الأكراد على حرق متاجر الناس بسبب بيع الخمور فيها ؟ الجواب سهل وهو أن الإسلامي التركي يهدف من وراء إسلامه إلى الإخضاع وبالتالي يميل إلى البناء بينما الإسلامي الكردي يهدف إلى الخضوع لهذا لا يهمه التدمير . الإسلامي التركي يرمي من إسلامه إلى إعادة الامبراطورية العثمانية , والإسلامي الكردي أيضاً يرمي إلى نفس الغاية ولكن باختلاف واحد وهو أن يكون التركي هو السيد في الامبراطورية والكردي هو العبد . إسلاميوهم صنيع مخابراتهم أما إسلاميونا فصنيع إسلامييهم . إسلاميوهم وسيلة لدى قومييهم لتحقيق المزيد من المجد للأمة التركية أما إسلاميونا فهم وسيلة لمزيد من الرضوخ والتبعية والانحطاط . إسلاميوهم مقاتلون شرسون للدفاع عن الأمة التركية بينما إسلاميونا دراويش على باب الله يبحثون عن طاغية من خارج ملتهم يذللهم ويعلمهم فنون الخضوع والرضوخ . لذا ليس مستغرباً أن يقوم إسلاميونا بأعمال الشغب والغوغاء لتدمير النذر اليسير من المكتسبات القومية للكرد .
السر الأكبر في تخلفنا نحن الكرد عن الأمم المجاورة لنا هو أن تلك الأمم عرفت كيف تستغل الإسلام وترتقي به إلى بناء دولها , أما نحن الكرد كنا بارعين في تصوفنا وتقاعسنا والانشغال عن مصلحتنا بأمور لا تفيدنا . الآخرون تناولوا لب الموز لنتزحلق نحن على قشره ونسقط وفي جسدنا مئات الكسور والرضوض لا شفاء منها أبداً .
فهذا فتح الله غولَن , الإسلامي التركي المعروف , يدير من واشنطن عمليات القضاء على الكرد ونزع هويتهم منهم والتمهيد لبعث الامبراطورية العثمانية , وسلاحه في ذلك الإسلام . وهذا السيد البيانوني من لندن هو الآخر يهيء سورية لبعث الخلافة الأموية فيها , بينما إسلاميو كردستان يلهثون خلفهم أملاً في جنة عرضها السموات والأرض . ونيل الجنة يتطلب في منطق الإسلامي الكردي حرق ممتلكات أخوانه بحجة أن رائحة الكحول تفوح منها .
...............
3/12/2011


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 6


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.