القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 541 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: الكوردستانيون القدامى في مواجهة الحلم السوري

 
الخميس 06 تشرين الاول 2011


هيم عمر

في 21 كانون الثاني 1991 و في واقعة فريدة من نوعها، حط الرحال بموكب جلال طالباني في مكان ما بسهل البقاع اللبناني للقاء عبد الله اوجلان، زعيم حزب العمال الكوردستاني الذي كان يدير آنذاك بتغطية من دمشق حرباً ضروس ضد الدولة التركية. لقاء غير مألوف جمع نظيران، كلاهما زعيم مطلق، آنذاك و لا يزال، في حزبان درج كلاهما على طرح نفسه كالبديل الكوردستاني المنتظر. زيارة طالباني كانت بصفته ممثلاً عن الجبهة الكورستانية و كان أحد مصطحبيه سامي عبد الرحمن، القيادي الراحل في حزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة مسعود بارزاني.


في هيئة نصف عسكرية، مرتدياً حذاءً رياضياً أبيض اللون و يداه في خصره، سار المضيف جنباً إلى جنب ضيفه االذي مر على الكريلا المصطفين لمصافحتهم واحداً تلو الآخر. المشهد في عمومه شابه حفل إستقبال رئاسي، و إن كان على مستوى حركات ثورية شعبية لم تعتاد إيلاء العناية المفرطة لما يصاحب هكذا مراسيم في العادة من تفاصيل بروتوكولية شكلية. في جلسة حول طاولة مستطيلة، تحدث طالباني لمضيفه عن مغزى زيارته، مخاطباً أياه "الرفيق آبو"؛ كل ذلك باللغة العربية و بوساطة شخص ترجم حديثه إلى التركية لاوجلان الذي لم يكن يتقن لغته الأم. تبعه بالحديث بالتركية اوجلان ذو النظرة الثاقبة الصارمة، تطرق فيه إلى النضال من أجل تحرير و توحيد كوردستان من قوى سماها محتلة و فاشية و ما إلى ذلك. فيما بعد ألقى طالباني، محاطاً برايات و رموز العمال الكوردستاني، كلمة في جمع من كوادر الحزب، أشار فيها إلى الإرتباط الوثيق بين كفاح الشعب الكوردي في مختلف أنحاء وطنه، مشيداً بثورة الحزب ضد الحكم التركي و مشدداً على ضرورة توحيد الجهود في سبيل تحرير و توحيد كوردستان الكبرى.

كان ذلك قبل عشرين عاماً، أما اليوم فليس هناك من كثير يجمع الزعيمان القوميان للنخاع فيما مضى و حزبهما. فبعد تمكن كورد العراق من تحرير مناطقهم، و بفضل مساهمتهم الفاعلة في دحر نظام صدام حسين، فُتحت أبواب العالم أمام قادتهم الذين شرعوا في التأقلم مع سياسات الأمر الواقع و التصرف بحسب قواعد اللعب الدولية. على الصعيد الشخصي بقي طالباني زعيماً مطلقاً في حزبه، بل و أضاف إلى سجله السياسي منصب رئاسة الجمهورية العراقية الذي لا يزال يحتفظ به. في احدى نزواته التي يشتهر بها، شبه الرجل إقامة الدولة الكوردية بمجرد حلم غير قابل للتحقق. إلى هذا الحد إذاً تغير المسار لدى "ثعلب الكورد"!

العمال الكوردستاني، بالمقابل، لم يلحظ الكثير من التغيير في حاله. بقي الحزب تائهاً في دائرة مفرغة، أسيراً لأفكار و ممارسات مضطربة أفضت في النهاية إلى طرد زعيمه من سوريا و أسره بعد تواطئ استخباراتي واسع النطاق. فور دخوله السجن شرع اوجلان في تغيير نبرته، بالتنكر بشدة للفكر القومي الذي طالما أعتنقه، حيث بدأ يدفع للأمام رؤيته الجديدة بخصوص الطابع الحضاري الديمقراطي للقضية الكوردية. إلا أن بقاءه ذات الرجل ذو الميول الثورية كما عهدناه، مفرطاً في إبداء المواقف الراديكالية، أوقعه في نفس التناقضات القديمة التي جلبت له الكثير من الإنتقادات في الماضي. غير قليل مما كان الآخرون يعتبرونه ضرباً من الهلوسة، كان في نظره مسلمات لا تقبل النقاش. كما أنه ارتكب أخطاء جسيمة أثارت تساؤلات جدية حول موقعه و دوافعه، مثل توجيهه لحزبه و هو مسجون، و تحريضه بلا هوادة ضد إقليم كوردستان.

رغم المذكور آنفاً، توجد ثمة نقطة مثيرة لا يزال يتقاسمها الزعيمان الكورديان، الواحد من بغداد و الآخر من حيث مأسره في امرالي، و هي الشعور الدفين بالإمتنان للأسد الأب، و الإستعداد لترجمة ذلك إلى دعم و مؤازرة فعلية لنظام نجله بشارالذي يواجه منذ أشهر ثورة شعبية واسعة تدنو من القضاء على حكمه الفاسد. فاوجلان و رغم إهانته و طرده من سوريا، لم ينسى ما يظن أن حافظ الأسد قدمه له طوال سنوات طويلة قضاها في رعايته، حين تحول بفضله إلى قوة لا يستهان بها في المعادلات الكوردستانية و الإقليمية، و لكن قوة غامضة قرعت طبول الحرب ضد نصف العالم و أكثره، بمسوغات معظمها مفروغة من العقلانية. لذا نرى حزبه منذ أشهر يلعب بأوراق عديدة، داخل و خارج سوريا، تصب بمجملها في خانة بقاء نظام الأسد.

يملك العمال الكوردستاني في سوريا ذراعاً قوية يتمثل في حركة المجتمع الديمقراطي في غربي كوردستان. بحسب المعلومات المتوفرة دأب هذا التشكيل المحكم التنظيم منذ الأيام الأولى للثورة السورية على عرقلة أي مساهمة كوردية فيها. تارة تحت عناوين قومية فاقعة، و تارة أخرى بذريعة التصدي للنوايا التركية الباطنة حيال سوريا و المنطقة، واصلت الجهات المرتبطة بالعمال الكوردستاني التشويش على الشباب الكورد الذين يديرون الحراك الثوري في المناطق الكوردية. و قد بات الآن جلياً أن مساعيهم لم تبقى بدون جدوى.

تتناقل الأنباء الواردة نجاح حركة المجتمع الديمقراطي، مدعومة في الخفاء من 11 حزباً كوردياً متحالفاً معها، في لجم الحراك الشبابي الكوردي تماماً في مناطق عفرين و كوباني، و توعدها لكل من يتجرأ على إعادة إحيائه. ليس هذا فحسب، بل إن النشطاء الشباب في باقي المناطق الكوردية كذلك يتعرضون للتهديد و الترهيب، لثنيهم عن المضي في حراكهم الرامي إلى إسقاط نظام الأسد. في حالات متعددة وصل الأمر حد إخضاع بعض النشطاء للمحاكمة، حيث حُكم عليهم بالضرب المبرح و كسر الأعظم و تمريغ الأنوف في التراب. أساليب، علاوة على أنها كانت متبعة من قبل العمال الكوردستاني ضد مخالفيه في عهد حافظ الأسد سابقاً، فهي في زمن إبنه بشار تذكرنا أكثر بهمجية الشبيحة المنفلتة العقال.

عموماً يبدو أن المسألة لا تزال في بداياتها، في ظل المؤشرات بوجود لعبة على مستوى عالي. المحطات التالية بعد عفرين و كوباني تتواجد في عامودا و قامشلو، حيث فشل العمال الكوردستاني و الأحزاب المتواطئة معه، على الأقل لحد الآن، في كبح جماح الشباب الكورد. و لكن دخول عبد الحكيم بشار، سكرتير البارتي المرتبط تقليدياً بالديمقراطي الكوردستاني، بقوة على الخط في عامودا، حيث يتمتع حزبه ببعض الشعبية، ينذر بتطورات جديدة يصعب التكهن بنتائجها.

التكتيك الجديد المطبق حزبياً يأخذ سياسة "العصا و الجزرة" أساساً له. في الآونة الأخيرة جيشت الأحزاب الكوردية وجوهها المعروفة لإقامة ندوات شعبية مفتوحة في شوارع و ميادين المدن الكوردية. الغرض من ذلك هو الحد من إهتمام الجمهور الكوردي بالمطالبة الشعبية بزوال النظام، عبر إلهائه بشرح مواقفها و سياساتها و إغراقه في تفاصيل إنعقاد المؤتمر الوطني الكوردي. بعد أشهر من الجهود الحثيثة و المداولات و التوصل إلى شبه تفاهمات، نكصت الأحزاب الكوردية وعودها بإشراك كافة فعاليات المجتمع في المؤتمر المنشود، و قررت تفصيل مؤتمر على مقاسها الخاص. الأمر الآخر الملفت للإنتباه هو عزم هذه الأحزاب عقد مؤتمر ثاني لها في إقليم كوردستان بدعم و رعاية حكومة الإقليم، مما يثير التساؤلات حول حقيقة دور الحزبين الرئيسيين في الإقليم في تحديد وجهة السياسة الحزبية الكوردية في سوريا في زمن الثورة الذي يعصف بها.

في إمتداد المساعي الحزبية لوقف مد الحراك الكوردي المناهض للنظام، برزت مؤخراً ظاهرة إفتتاح "المدارس" و "المراكز الثقافية" الكوردية في العديد من المناطق، كان آخرها في مدينة حلب. القصة بإختصار هي كالتالي: بيوت ترابية إلى نصف ترابية يتم تأهيلها بشكل بدائي و يجري تسويقها من قبل جهات العمال الكوردستاني ككونها مدارس و مراكز ثقافية حقيقية. و الهدف منها هو الإيحاء للجمهور الكوردي بإن الإدارة الذاتية التي طالما حلموا بها، هي في طور التحقق و الإنجاز، و إن إستكمال المسيرة يستلزم من هذا الجمهور عدم حشر أنفه في الصراع الدامي الجاري حالياً في سوريا، و النظر إلى الموضوع من منطلق المصلحة القومية الصرفة، لا غير. هكذا إذاً فهم أنصار العمال الكوردستاني فكر زعيمهم الأسير بخصوص نبذ الفكر القوموي البدائي!

ختاماً للحديث و عودة على طالباني و حزبه و حليفهم الديمقراطي الكوردستاني و موقفهم حيال الثورة السورية، يجدر بنا القول بأن التحرك بواقعية و وفق قواعد اللعب الدولية لا يعني البتة الرهان على بقاء الأسد. فمن غير المعقول و المقبول أن يصتف إقليم كوردستان إلى جانب روسيا والصين و غيرها من الدول التي لا تعير أدنى أهمية لمسائل الحريات و حقوق الإنسان في العالم. كما و نتسائل: إذا كانت لتلك الدول مصالح كبيرة تحتم عليها الوقوف إلى جانب الأسد، فأي مصلحة يا ترى تربط إقليم كوردستان بنظامه؟ و لنفترض إن كان لقادة إقليم كوردستان صوت في مجلس الأمن، إلى جانب من يا ترى كانوا سيقفون؟ الشعب السوري المنكوب أم نظام الأسد القاتل؟ أمر لا يستحق التباهي من غير شك، و لكن ليس من البديهي الإجابة بشكل قاطع على هذا السؤال.


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات

عفوا، التعليقات غير ممكنه لهذا المقال.