القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قراءة في كتاب: «الأوسلندر» عنوان الرواية الجديدة للكاتب خالد ابراهيم

 
الثلاثاء 10 تشرين الثاني 2020


 فكرة جد مهمة ومميزة يفجرها الروائي خالد إبراهيم في روايته الثانية التي تحمل عنوان " الأوسلندر" و الصادرة عن دار الدليل في برلين، تقع الرواية في مائتي صفحة من القطع المتوسط.. جاءت الرواية في عشرة فصول، لم تكن مستقلة عن بعضها من حيث الأفكار، لكنّها تتابع في الحدث الروائي العام. حيث يتطرق الروائي خالد إبراهيم لأسباب الهجرة وما خلفته من تأثيرات اجتماعية وأخلاقية على عموم المهاجرين، و يعبر أيضاً عن تأثير أدوات التواصل الاجتماعي واستعمالها الخاطئ حيث بات واضحاً للعيان الدور السلبي الذي يختاره الكثيرون لملء فراغهم اليومي. تُشرق شمسٌ وتَغيب، وما بين الشروق والمغيب، موتٌ يعانقُ خاصرة الله المندلق كزيت اليقطين الذابل، والقابض على أفواه التنانير وأشعة الفجر الحمراء، هكذا عندما يبكي الرجال في الوقت غير المناسب، حين لم يعد ينفع الوقت، لا لتضميد الجراح ولا لتركها للهواء المدفون تحت شجرة التين البرية. 


خائر القوى، هزيل القوام، مُتعبٌ حد الموت، حين لم تعد تمتلكُ أدوات للرد، وقتها تستشعر أنكَ عاجزٌ للحصول على حق الدفاع عن النفس ولا سيما قد دحشتَ يدكَ في حفرة مليئة بالأفاعي مُتقلبة الألوان والأفعال، والأخلاق. هل حصل وجلست على كرسيكَ لتكتب؟ محموماً وأنتَ في غرفة نومكَ متخذا إطار نافذتكَ ثقبٌ يطل على العالم، تستحوذ طاقة الليل، بظلامه الدامس، ونجومه المتجهة نحوكَ مثل رؤوس الخناجر، تحاول نزع الأرق المرتق ومنع دغدغات قلق هذا القلم عن كاهلكَ المُتعب، مستحضراً سخط العصافير، وبرودة جبال روحكَ ومن حولكَ، وعيناكَ خائرتان، وبركان يتمطى في قفص صدركَ، وتبقى لساعاتٍ دون أن تندلق دمعة حبر واحدة على هذه الأرواق، الأرواق التي غطت مداخل المدن النائية، المدن المتناثرة مثل بسطات تبيع الأوهام أثناء شروق الشمس وغيابها. على الإنسان، عدم الشعور على أنه الشريف الأوحد في هذه المعمورة، لكلِ إنسان تاريخٌ وماضٍ، لكلِ إنسانٍ جرحٌ وفرحة، لكلِ إنسانٍ أعمال خير وشر، وفي كل إنسان تتصارع أطباق ذهبية وأخرى صدئة، مشيئة الله قاتلة أحياناً. هكذا نحن الرجال مَن مِنا لم يمارس الجنس مع غير زوجته، من منا لم يجربه حتى افتراضياً، هكذا عبر الموبايل، أو الماسنجر، والواتس آب مَن مِنا لم تغوه غرائزه الشهوانية أو الحيوانية، ولم توقعه أرضاً وليس بالضرورة أن يُفضح المرء، تماماً مايفعله، مثل العادات السرية، تماماً. مثلما تشاهد فلما أباحيا، من يتجرأ ويقول لا، كي أضع قدمي في مؤخرته الآن. أنتن النساء أيضاً، مَن منكن لم تمارس الجنس مع غير زوجها، سواء أكان ذلك افتراضياً أم حقيقةً وواقعاً، من منكن لم تعشق على زوجها ولأكثر من مرة، من منكن لم تتمن ولو لليلة واحدة أن تنام في أحضان شخص بعينه. أستطيع ذكر أسماء عِدة، وربما أنا أولهم. طز وألف طزٍ يا أيها العالم المسخ، لم يعد هناك خلاص عندما تُتهم بسرقة شيء ما، وهل يُتهم الإنسان بسرقة دمه، وماله، وعرضه؟ أنا السارق والمارق، والتاجر، والقحب الأفّاق على مدى أربعين عاما وأكثر، قالها أبي، كما قالها الأولون من قبله، الرجل لا يعيبه أي شيء، بإمكانه فعل المسموح والممنوع، وإن كان باستطاعته إنزال الشمس على سطح الأرض ليفعلها، كلُ شيء في رهن التجربة المصلوبة على باب النصر أو الخسارات، إلا السرقة، عارٌ على الرجل أن يسرق قوت غيره، وشرف غيره، وحياة غيره، وضمير غيره. إلا أنني فعلتها على ما يبدو سرقتُ أحلام الأمهات والأطفال، سرقتُ أحلام وطن، دماء الشهداء، صراخ المعتقلين، سيف صلاح الدين الأيوبي، علم مهاباد، الأغاني التي تمجد المدن المنكوبة، بدلات الأعراس، أحذية الجماهير، مكبرات المآذن، أجراس الكنائس، أحلام الأوسلاندر تحت أقدامي الآن أشعلتُ سيجارة أخرى، بدأت بالغوص بين هذا الجسد، قطعةً قطعة، شارعاً شارع، مدينةً مدينة لا يهمني إذا كانت القهوة ساخنة أم باردة، سأحتسيها بكل هيئاتها، كل ما يهمني أن تحمل المرارة لذتها وتتعارك مع عصارات معدتي، لأبقى قوياً كما أنا، تماماً مثل مرارة الحقائق التي تتكشف أمامي الآن. لا يهمني إن كان حذائي جديدا أم عتيقا، بقدر ما تشعر به قدمي من راحة في المشي والجري والوقوف لساعاتٍ، ولا تهمني أشكال الطيور، ولا أحجامها، ولا أسعارها، بقدر اهتمامي بترنيمة زقزقتها، بقدر اهتمامي بأجنحتها القوية التي عبرت بها مئات المدن والغابات والبحار والمحيطات، وما رأته من جمال وهدوء وسكينة في الوقت الذي تعلو فيه أصوات الرصاص والمدافع وهدير الطائرات ودخان الدبابات والمدرعات. ولا يهمني من هو أبي، بقدر ما يهمني من أكون، وكيف سأكون، ولماذا خلقني الله هكذا إنسانا ناقصا؟ كما لم يعد يهمني إن كان لدي أطفال أم لا، كل ما يهمني إيجاد طريقة لسلخ هذا الألم من بين أحشائي، وهل تستطيعُ الطيور هجر أعشاشها وقتل فراخها؟ نعم تستطيع، وها أنا الطيرُ الحر الذي سينتقم من نفسه أولاً، سأفعلها الآن، كما فعلتها قبل الآن، هكذا أنا عندما يصل الألم لديَّ في قمة انفعالاته وأوج حقارته وسخريته، لأنني وبكل بساطةٍ بألف رجل لم يعد يهمني ما لون الماء وملمس العشب، وكيف بات طعم الشاي الأسود والأخضر، ضوء الشموع كانت كذبة كبرى، الموسيقى، والأغاني، صوت سيارات الإسعاف، بكائي وأنا بين أيدي أحقر الأطباء كان كذبة كبرى. يالَسخرية نفسي مِن نفسي لستُ جائعاً عندما اتفحصُ حبات البندورة، والخبز وقطع الجبنة، لقد تركتُ كل شيء لأحد المرضى لا لأنني كريمٌ أو فوضوي في مبتغاي، بل لأنني شعرتُ أن قيمتي هي هذا القدر من الطعام الجاف، لم يعد يهمني الجوع كما الشبع، كل شيء يهطل عليَّ مثل شرائح اللحم المسموم، لم يعد يهمني كل هذا الفضاء من حولي، وليذهب الأطفال إلى الجحيم، ليذهب الأهل إلى الجحيم، ليذهب الأصدقاء إلى الجحيم، سأغير اسمي، وعنواني، سأغير ملامح وجهي، سأعيشُ مسلوخ الوجه كما عشتُ مسلوخ الهوية، هكذا انبتُ في فراغ مجهول، يقتلني في الدقيقة ألف مرة، راجماتٍ من الصواريخ المعبئة باللعنات تدكُ عظام صدري تعالوا لنسرق السيارات ونهرب بعيداً من هذا الألم
  


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.2
تصويتات: 5


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات