القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: محمد رمو: الحرب إن لم تصنع منك كاتباً فأنا أشكّ بشعورك وعمل حواسك

 
الأثنين 17 كانون الأول 2018


 حاوره: إدريس سالم

ولد "محمد محمود رمو" عام ١٩٩١م في مدينة كوباني، درس كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة حلب، متزوّج ويعيش حالياً في مدينة سروج بولاية أورفة (رُهَا) التركية, وهناك يعمل مدرّساً لمادة الرياضيات في المدارس السورية المؤقتة، يعاني من قصة جدّه المؤلمة معاناة مريرة، ولا زالت تراوده بين الفينة والأخرى.

حيث وصله خبر من المحيطين به بأن تنظيم "داعش" بات على مقربة من أسوار المدينة، حينها قرّر الخوض مع أهله في مضمار اللجوء كما غيرهم، فهمس في أذن جدّه "هيّا بنا"، إذ يقول الكاتب الروائي محمد رمو "لا أستطيع أن أصف لهجته حينها كيف قاوم الرحيل، ولم يكن باستطاعتنا أن نجبره على فعل  شيء لا يريده، فبقي هناك ينتظر موته المشتهى، وحيداً، عاجزاً".


بعد أربعة أشهر من الحرب واللجوء، وبالتحديد يوم تحرير المدينة وصل خبر وفاته جائعاً في فراشه، كانت الصورة المرسلة له، وبتلك الحالة المزرية، عنواناً لانكسارات ترجمت فيما بعد إلى كلمات رواية، مشبعة بألم مرّ.

عن دار "نون 4" صدر الرواية الأولى للكاتب محمد رمو بعنوان (الخيمة 320)، وهي من القطع المتوسط، وتتألف من ستة فصول رئيسية "ظلّ رماديّ، ساعة القيامة، سروج.. مدينة الخيم، الخيمة.. قليل من الحبّ من انكسار، فجرٌ أحمرٌ، صورة مسبحة وقلادة".

الخيمة 320 تجسيد لواقع كتب له التشرد والموت بكل فنونه، يسرد كاتبها الأحداث كما هي بطريقة إبداعية فنية، مجسّداً ببطل الرواية، للهروب نحو ذاته بذاكرة أدمنتها السوداوية والفراق، وموت الأشخاص هي نتيجة واقعية لما يحيط بالكاتب في عالم الشعور واللاشعور، وللحديث عن تفاصيل الرواية، حاورت صحيفة "كوردستان" في لقاء خاصّ مع الروائي الكوردي السوري محمد رمو.

 

إلى نصّ الحوار:

كيف بدأت الكتابة؟
قصّة الكتابة لم تكن في بالي قط، فبعد رحلة اللجوء إلى تركيا، سكنت مرغماً في مخيم سروج، المطلّ على يافة الوطن، بحثت عن منجى لروحي الكئيبة والتي أزادت مع مرور الأيام كآبة، بدأت على شكل كتابة مذكرات، تحوّلت فيما بعد إلى مشروع رواية.

ماذا تعني لك الكتابة؟ ولمَن تكتب؟ 
لماذا أكتب؟ ولمَن؟ سؤالان وجيهان طالما سألت نفسي، أستطيع أن أقول أنّ فكرة الكتابة هي مغامرة على الألم والوجع، أو لربّما الكبت الداخلي الذي لحقني على شكل هواجس وكوابيس أجبرني أن أحمل قلم وورقة، وأمطر عليها بعضاً من مشاهد مصارعة روحي وذاتي.
أُرغمت أن أكتب، وهذه الحرب اللعينة إن لم تصنع منك كاتباً، فأنا أشكّ بشعورك وعمل حواسك. الكتابة بالنسبة لي هي ثورة بحدّ ذاتها، فتستطيع أن تعرّي المستبدّ وتُنصر المظلوم، ترسم خيمة دافئة للاجئ مشرّد، تطعم فقير، وتضمد جراح مُقنّصٍ طاله رصاصة شاردة.
أمّا لمن أكتب؟ 
للأسف، الثورة الالكترونية التي اجتاحتنا، أطلقت الرصاصة الأخيرة في قلب الكلمة، لذا صارت التكنولوجيا والكلمة المكتوبة على الورقة مضادان لدودان، الأولى تهدّد الثانية بزوالها، ورغم ذلك، لا زلت مؤمناً بمشهد كتابٍ مفتوح على طرف مخدّة بجانب مدفئة هادئة، قريبة من قارئ أو قارئة يحضّر قهوة لذيذة، ويتحضّر لرسم ملامح ليلته المغذية.

ما معاناة الكتّاب في المنفى على صعيد الكتابة والنشر والتوزيع؟
الكتّاب بشكل عام يعانون من المسائل التقنية والموضعية، بدءاً من الكتابة الإلكترونية، وانتهاء بمشاكل الطباعة والتوزيع، وملاحقة دور النشر الذين يركّزون على الجانب المادي للعمل، أمّا في المنفى فأعتقد أنّ الأمور تزداد سوءاً.

لماذا اخترت (الخيمة 320) عنواناً للرواية؟
العنوان يعني لي الكثير، فمسألة الأرقام والتعدّد صارت متلازمة مزمنة عايشناها طوال الثماني السنوات الماضية، من عدد قتلى المظاهرات، إلى عدد المعتقلين والمختطفين والجرحى والشهداء، عدد الخيم، عدد المهجّرين، عدد الغارقين، عدد المدن المدمّرة، عدد المرات التي عقدت فيها اجتماعات دولية، وعدد المرّات التي شعر فيها المجتمع الدولي بالقلق.
حينما تقرأ العنوان أعتقد أنّك تمرّ عليه مرور الكرام، دون أن تمتزج بتفاصيل الرقم، هذا الرقم هو رقم خيمتي في مخيم سروج، لن تتصوّر كيف أثّر فيّ الرقم وأنا أحاول جاهداً للوصول إلى خيمتي في اليوم الأول، ٣١٩ سبقوني إلى هنا، تركوا كلّ شيء خلفهم، تركوا أضاحيهم تشرد في الفلا، تركوا أضواء بيوتهم عاملة، تركوا الرياحين وشجرة النارنج عطشى، تركوا أغانيهم القديمة تصدح في مدينة خالية.

ما الفكرة الأساسية التي أردت إيصالها للقارئ من خلال الرواية؟ وهل وصلت رسالتك؟
الفكرة الأساسية هي محاكاة الوجع أكثر من أيّ فكرة أخرى، لا أنكر أن العمل له أبعاد سياسية وعاطفية، لكن تصور ويلات الحرب واللجوء أعتقد أنّه أخذ منّي جهد أكبر، وطغى على العمل بكلّ أجزائه..
مَن قرأ الكتاب وصلته الفكرة، فأجزم أنّ ما أردت قوله، قد قيل، ووجدت آذاناً صاغية.

لماذا اخترت (ظلّ رمادي) عنواناً للقسم الأول من الرواية؟
كلّ واحد منّا حينما يحاول أن يتذكّر جزء مرير من ذاكرته، يعاني من المقدمة، أو أنّ الصورة تأتيه متقطّعة، ضبابية، لا يستطيع أن يتذكر التفاصيل بعناية ودقّة، فهنا الظلّ دلالة على الذاكرة، أمّا الرمادي فهو لونٌ كئيب يوحي إلى سوداوية الأيام التي عشناها ونحن نلتجئ..

اللجوء ورغبة العودة. ماذا تقول عنهما؟
صارت العودة كرة ثلجية، كلّما تتدحرج تكبر، وكلّما مرّت الأيام غدت عودتنا أصعب، ذات يوم وأنا عائد من المدرسة في يوم ممطر، كنت أحمل في يدي شمسية، ملتوية المسكة، ومن باب المصادفة كان المطر قد توقّف، فأغلقت الشمسية ولوّحتها بيدي قبل أن أضعها على الأرض واتّكأ عليها، لا أستطيع أن أصف لك المشهد وأنا أتخيل نفسي بعمر السبعين أسير في شوارع الغربة، للحظة اعتقدت نفسي فلسطيني من أهالي ٤٨ يسير في تفاصيل مخيّم اليرموك حالماً بعودة، أيّ عودة؟!

هل عشت ساعة القيامة داخل كوباني، أم خارجها؟
عشت تفاصيلها في الخارج وكأنّني هناك؛ لأنه كان في بيتي ثمة نواح مهول، رسمتها أمي على ملامح خديها المهترئة.. هي جنازات أختي وعمي وبنات عمي.

يا بني، إن الغيوم الملبّدة بالسواد تأتي إلينا وهي تحمل شرّاً". هكذا يخاطب الجدّ حفيده وليد. هل كبار السنّ يشعرون بالشرّ قبل مجيئه؟
لو قلت لكَ أنّ الكبار لا يشعرون بشيء أكون قد نسفت نظرية الحاسة السادسة، والتي تبانُ بشكل واضح في سير الآباء والأجداد وذلك بحكم العلاقة الطويلة مع الزمن، والتجارب الكثيرة.

"سروج.. مدينة الخيم" عنوان فصل من الرواية. ما حجم المعاناة التي عانيت في مخيمات اللجوء بصفتك كاتباً لاجئاً؟
المخيم كبّرني عشرون عاماً، إلى الآن حينما أرى صوري هناك أشعر بشفقة على حالي وعلى مَن كانوا معي، أجزم أنّ مَن يعاني من ويلات المخيمات وحجم الأسى الذي يتجرّعه هناك يفقد إنسانيته لأوان، قبل أن يعيد صياغة كينونته ويستعيد جزءاً ممّا فقده.

ممّا جاء في الرواية: 
"ما الذي تخلفه نظراتها حتى تجعل مني عاجزاً عن التقاء نفسي بنفسي، ما الوصفة التي تستحضرها لتجعل من خيارات الحروف أمامي ضئيلة لسؤالي عن اسمها؟ أ سيبقى الاسم رهين الضياع في دهاليز اللغة؟". 
ما قصّة العشق الرومانسية التي جرت أحداثها في الرواية؟ وهل هي واقعية أم من نسج خيالك؟
القصة في معظم أجزائها حقيقية, باستثناء تفاصيل صغيرة لم تحدث, وقعت في حبّ فتاة في الجامعة, لكن القدر لم يجمعنا, هنا حلمت بنتائج كنت أتمنى حدوثها لأن القدر عجز عنها, تخيّلت نفسي (وليد) يلتقي بقرينته رغم كلّ شيء, تخيّلت مصادفات لطالما حلمت بها, تخيّلت ولادة حبّ من رحم الحرب, في النهاية أبعدتنا المسافات والترحال الطويل, أمّا أنا فبعد قصة حبّ دامت لخمس سنوات تزوّجت من فتاة أخرى رائعة, أعادت لي تجربتي, لكن بنكهة أخرى.

لماذا النهاية الأليمة لروايتك؟ وما الرسالة التي أردت إيصالها للقارئ؟
الرواية العالمية بكتّابها المختلفين اختتمت رسالتها الحكائية والتشويقية والايحائية والبلاغية  بأصناف ثلاث, منهم مَن صاغ لها خاتمة متفائلة مزدهرة سعيدة, وأخرى تركت خيوط عقدتها مبهمة ليتيح للقارئ مشاركة شعوره الآني, أيّ بين البحرين, لا سعيد ولا حزين, وآخر الأصناف هي ما كانت نهايتها مؤلمة حزينة كما حال هذه الرواية, ولو تمعّنا في نتاج الكورد في الآونة الأخيرة لرأينا أنّ جميع تلك الأعمال كانت مغطّسة بالألم كما الأدب الفلسطيني, وهو دلالة على النظرة التشاؤمية للمستقبل, أو لنكن قريبين من الحقيقة فنقول: "أنّ النهاية التراجيدية لكل رواية هو انعكاس لمرآة عقل الكاتب في توقّعاته لمستقبل الأمة". 

هناك مَن انتقد الرواية وركّز على أن العائق الوحيد أو الضعف في أسلوبك يظهر حينما تختتمها بأسلوب خيالي، وكأنك تعيش في أجواء أخرى. ما ردّك؟ وإلى أيّ مدى هذا الأمر صحيح؟
الخاتمة أو الفصل الأخير هي الحلقة الأضعف من وجهة نظر الآخرين، وأنا أحترم آراءهم، أمّا بالنسبة لي فالخاتمة هي تتمة للمأساة والألم، ولو الخاتمة المؤلمة لما قلنا عن العمل أنّه ركيزة الألم السوري بكلّ أنواعه، من قتل وموت وضياع، والانتظار على أرصفة البلدان الأوروبية.

باعتبارك من بيئة ريفية، كيف جسّدت أدوات هذا الواقع في كتاباتك؟
الريف مصدرٌ للنقاء، وصورة حيّة لأناس مازالوا محافظين على المبادئ الإنسانية الأصيلة من كرم وجود وشهامة، أضف إلى ذلك أنّ الريفيين هم أكثر الناس حفاظاً على عادات وتقاليد الشعوب، فكان من البديهي أن أبدأ من الاحتماء الريفي في عملي لأمنح العمل طابعاً كوبانيّاً خالصاً بعيداً عن ملامح المدينة المكتظّة بعادات وتقاليد دخيلة.

تتميّز (الخيمة 320) بنقاط قوة عديدة، كاللغة الجميلة والفكرة والسرد وواقعية الشخصيات، إضافة إلى المقدمة الجميلة. ما أهمية كل هذه العناصر في الرواية؟ وأيّ منها تهمّك وتجد نفسك تبدع فيها؟
إن الرواية بناء متكامل، وإن ضعُف الراوي في منهجية أيّ جزء منه، افتقر العمل لمكوّن أساسي من أساسات عمله.
فالشخصية هو الكائن المقروء الذي يمنحه الراوي حياة، ويحرّكه وفق مزاجه، أو وفق ما تتطلبّه حاجة الرواية للحركة سواء أكانت الشخصية شريرة أو ذات طابع خيّر، فالبنية الحكائية تعتمد بشكلها الأساسي على الشخصية، وهنا يجب أن يعطيه طاقة على أساسها يفتعل أحداثاً، ويتلاعب بمشاعر القارئ في كلّ أقسام الرواية.
وكذلك السرد واللغة الجميلة، هنا تقوي الروابط بينك وبين القارئ على أساسها، وتشتدّ العلاقة كلما كان انتقالك سليماً، أيّ لا يشعر القارئ بانقطاع في تسلسل أفكاره وهو يموج في تفاصيل الحكاية..
لكن علينا ألاّ ننسى أنّ الكاتب كائن بشريّ، يفرح، ويشعر بغبطة، يحزن، يتدخل بمشاكل المحيطين به سواء أكانوا من العائلة أو حتى خارجها، وطالما أنّ الرواية هو نتاج عمل متواصل على مدار أيامٍ وأسابيع وحتّى أشهر، فالعمل يُكتب بمزاجيات مختلفة، فتراه يكتب المقدمة وهو متفائل، لبدأ بجزء آخر في يومٍ آخر يكون أثناءها مشبعاً بالألم، لذا تراه يبدع في مكان، ليفشل في مكان آخر، والكاتب الناجح هو مَن يكتب بمزاج واحد على طول العمل..

كروائي.. كيف تعاملت مع الحقبة التاريخية الراهنة في روايتك؟ وهل يمكن اعتبار هذا العمل وثيقة تاريخية أم إنسانية للوجع والحبّ؟
لا أعتقد أن الرواية ٣٢٠ وثيقة تاريخية كوني لم أعطِ التاريخ حيّزاً ولو صغيراً، فالتاريخ بالنسبة لي وهمٌ وسراب، التاريخ رقمٌ وأنا هنا لأذمّ الأرقام..
ومَن يريد أن يقرأ العمل بعد مئة عام لن يشعر حينها أنّه يقرأ حدثٍ صار قبل برهة من الزمن، لن تتشكّل أمامه صورة بالأبيض والأسود كما يحدث عادة معنا ونحن نسافر في كتب التاريخ والماضي، سيشعر وكأن الحدث يقام أمامه، المكان هو نفسه والزمان يصاغ اليوم من جديد..

ما الجانب الذي ترى نفسك فيه أكثر: الشعر، أم القصة، أم الرواية؟
لازلت أبحث عن نفسي، لكن أبشّرك أنّ الشعر لن أكتبه؛ لأنّ الشعر قيدٌ وأنا أعشق الحرّية.

لا ريب في وجود مصاعب وتحديات واجهتك أثناء كتابة روايتك. حبّذا لو تحدثنا عنها.
الصعوبات كما أردفت لك سابقاً، أنا مدرّس والوقت عندي ضئيلٌ جداً بحكم ارتباطي بعلاقة مع طلابي حتى خارج أوقات الدوام الرسمي، لذا ألتزم بالكتابة في أيام العطل الرسمية فقط، وهذه مشكلة كبيرة عندي.

ما آخر أعمالك؟
آخر أعمالي مجموعة قصصية ستبصر النور عمّا قريب، تحمل طابعاً وطنيّاً، وتسلّط الضوء على مكامن الألم والحلم.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات