القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: هذه القصص.. هذا القاص..! قراءة في مجموعة «على ضفاف الخابور» للقاص ماهين شيخاني

 
الخميس 03 ايار 2018


إبراهيم اليوسف
 
مصعوقاً أمام الواقع المدجج بالتناقضات، الذي يفرز عناصر غارقة في الكاريكاتيرية إلى حد الفجيعة، يباغتنا الصديق ماهين شيخاني وهو يجرّ خلفه إرثاً هائلاً من المعاناة ،و المتاعب، و الأحزان، واللهاث ،ينقر بأصابع واثقة بللور هدأتنا، ويستوقفنا عبر الدهليز المديد، المعتم، الذي يستأثر بروزناماتنا اليومية، كي نصيخ إليه السمع، وهو يتشظى عبر إهاب قصصي، كي نرى ،أننا حقاً أمام صوتٍ ينماز بخصوصية فجيعته، وألمه، و ارتطامات دويه، في هذا الوقت الذي يتلقف فيه مجايلوه – من أبناء جلدته بل و سواهم – ضروب فنتازيا الكتابة، و الغرائبية، ولعل مردّ مثل هذا التخيّ، هو أن هذا القاص – يدير الظهر لإغراءات ما بعد الحداثة – لينصرف إلى بيئته، كي يرصدها، بعد أن يراهن على إنها تعجّ بكل ما هو غرائبي...


ولعلّ معرفة ذلك التو اشج المدهش بين الباث ونصوصه، حتى و إن بدا هذا خارج حدود (النص) في لغة النقد الجديد – تدعونا لإدراك بدهية كون الكتابة لدى ماهين شيخاني خياراً لابد منه ، فالكتابة أحد الأشكال الفنية التي التفت أمراسها حول عنقه، على شكل انشوطة أبدية ،وشدته صوب أتون محرقها، مكرهاً ، ودعته أن يرى في الدنو من ألسنتها، و مواجهتها ، شكلاً من أشكال الخلاص على اعتبار إن الكتابة – قبل كل شيء – هي تحويل الدم إلى حبر، كما يرى رولان بارت ،بل وأن – كل طفل يولد ، تقريباً، يرى أن العالم بشكل ما يحتاج إلى تفسير – كما تؤكد ذلك اليزابيت بووين – وكيف لا  بالنسبة إلى حالة ماهين الذي يدفع في كل يوم ضريبة غالية وهو يطأ بخطاه عتبة الألفية الثالثة ، لأنه يواجه ككردي ، مهمش ، فنان، حالة اغتراب هائلة ، نتيجة استلاب هويته ولعلنا نستطيع فك بعض الشيفرات التي تتضمنها المجموعة بشكل عام كي نرى:
اللغة في مهبّ الضياع
الجسد تحت سطوة المدية
الحلم في دائرة الحجر
الفرح المنفي
حيث وباختصار، كل ما هو جميل في عالمه مهدّد بالزوال و الإقصاء على نحو ٍ صارخ ، الأمر الذي لا يترك أمامه أي مجال للتأني و التزويق ولمّ الأنفاس ، وهذا ما يدعوه لتناول ما حوله ، باستفزازية عالية ، مشوبة بالعناصر الأولى للخطاب، ضمن الحدود التي تسمح بإخضاع محض الصرخة لأولويات النظام الفني، انطلاقاً من إن القصة التي يقدمها لنا هي ابنة قضية ( من أعظم و أدق قضايا العالم قاطبة ) حيث الحدود تمحي بين الراوي و البطل (بل إن كليهما واحد ).وإننا لو ذهبنا أبعد من ذلك، فإننا لنجد في نهاية المطاف صورة فوتوغرافية  عما يعيشه إنسانه على نحو عام، وهذا ما يدفعه لتناول ذلك كله بعين فنان حاذق – وهو طبعاً فنان تشكيلي أيضاً – الأمر الذي يفتح أمامه مجالاً أوسع للرؤية وهذا تحديداً، ما يجعل من قصته قصة  – مواجهة – لا قصة ترف ، ماتعة ، فحسب، إنها قصة ترتدي ثوبها الشوكي وتمدّ لسانها اللهبيّ لهذا الواقع ، المزري والمدهش ، دونما ورع ، أو انصراف للتفكير بالغوايات التي تأسر الكثيرين من مجايليه ، ممن يكتبون قصصاً مراوغة، تتوسل محض فنيتها – وتحت الطلب – في محاولة لارضاء أطراف لن تتساوى في معادلة الواقع .


           أجل ، إن قصة ماهين لا تخجل من طرح هويتها الواضحة غير المواربة البتة ، نتيجة ما سبق – كمواجهة – لتلك الحالة الاستلابية ، ولذلك فهي مشغولة بعالمها الداخلي الذي يرصده الكاتب دون تورع حتى عن اللجوء إلى التفاصيل التي قد تخدم رؤاه دون أن تتيح له المجال للاصطفاء ،و الإقصاء ، التقنيين ، إنها تماماً حالة من يفكّر بأن يؤكد لمن حوله ، أن المكان الذي يقف عليه إنما تشهد ذاكرته – وبلا ريب – بأنها تفوح برائحته هو وعلى نحو آخر يمكن القول: إنها باختصار حالة من يرى لا ينبغي أن يسترسل كثيراً وراء هندسة بناء قصر شامخ بسبب بسيط هو أن المكان الذي سيشيد عليه عمارته تلك ، أحوج في زمن اختلال المقاييس إلى تقديم سندات تمليكها من قبل من لا يحتكم البتة إلى لغة العقل و الحوار و الاعتراف بالآخر – أصلاً –لا برأيه…!! و هذا بالتأكيد نتاج حالة اللاطمأنينة و اللاستقرار التي تترك آثار سياط عجالتها على امتداد الشريط اللغوي للقصص على الدوام .  و بهذا فأن الكتابة عند ماهين ذات وظيفة، والثَّيمة في قصصه لتطغى على سائر عناصر القص الأخرى ، وهو عندما يبصر على امتداد ساحة الرؤية كلّ هذا الرماد و الحرائق و العويل   والانكسارات لا يمانع بالمجازفة بالكثير من أجل أن يقول كلمته، كلمته النظيفة في زمن القذارات والقمع والإلغاء و كتم الأنفاس حتى وان كان مثل هذا ما يدفع بنصّه لمتاخمة بيارات الحكائية، وضمن الحيّز الذي يشي بتألق الحساسية إلى جانب مهارات عديدة، مائزة  تسجّل للقاص أيضاً، ولست في معرض رصد كل ذلك .. وإذا كنت عبر هذه التقدمة لا أميل إلى أعمال الجهاز النقدي   – درءاً لعدم مصادرة رأي المتلقي إلاّ إنني – وكقارىء – فحسب ، أجد أن قصة – التنهيدة الأخيرة مع الفجر – وحدها ، و التي تتضمنها هذه المجموعة القصصية فحسب، لتستأهل أن تدعونا كي نقف ملياً عند تجربة القاص ، ذلك لأن هذه القصة تحديداً، ومن خلال رموزها و شخصياتها و دلالاتها ، بل و اللغة المؤلمة التي شغلتها على نحو ناجح ، تماماً ، تليق و تضطلع بحالة التوتر و القلق التي يعيشها صاحب العربة، أوغودوت الكردي كما أزعم، والتي تهزّ  المتلقي من أعماقه ،وتجعله يشعر دون أي شك انه أمام شخص من لحم ودم وأحاسيس وأحلام وانكسارات.
        أجل إنني أجزم لو أن القاص لم يكتب خلال حياته غير هذه القصة فقط .لكان من حقه أن نعده  – ومن خلالها فقط – كواحد من قصاصينا المبدعين ، حتى وان انطلقنا في نظرتنا إلى مثل هذه القصة من خلال رؤية ناقدة مثل يمنى العيد ترى في القصة القصيرة ( قولاً لغوياً يبني عالمه بتقنيات خاصة يبدعها) وهو غير بعيد البتة عن رؤية امبرتوايكو نفسه الذي يرى: (النص أن هو إلا نتاج حيلة نحوية – تركيبية – تداولية – والتي يشكل تأولها المحتمل جزءاً من مشروعها التكويني الخاص) إنه رأي على أي حال …

كتبت المقدمة2001
نشر الكتاب2014

  

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات