القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قراءة في كتاب: “الطريق إلى البيت” لمروان علي: نوستالجيا تطحنُ الشاعرَ قصائداً ونصوصاً

 
الخميس 04 كانون الثاني 2018


هوشنك أوسي

كعادتهِ، وفي انسجام مع لغته الشعريّة البسيطة والسلسة، اختار الشاعر الكردي السوري مروان قنطرة لغويّة بسيطة، خالية من بُهرج وزُخرُف البلاغات والمجاز، كي يعبر من تحتها قارئه/ته باتجاه عوالمه الشعريّة، فكانت عبارة “الطريق إلى البيت” التي ترد في عدة نصوص من نصوصه، وليست عنواناً لقصيدةٍ بعينها، وهي تشبه عناوين النصوص المدرسيّة المدرجة في كتب القراءة في المرحلة الابتدائيّة، ولكن مروان اختارها عنواناً لوليده الشعري الجديد الصادر مؤخّراً عن منشورات المتوسّط – ميلانو/ ايطاليا، في 88 صفحة من القطع المتوسّط. وكان بإمكان علي اختيار “طريقٌ إلى بيت” لكنه شاء أن يكون “الطريق” و”البيت” معرّفان بـ”الـ” في محاولة التأكيد على التعريف بالبيت والطريق المؤدّية إليه. 
وهذا ما تنضح به النصوص التي طوى علي مجموعته الشعريّة عليها. بحيث تُظهِر النصوص – القصائد أن سلاسة العنوان وبساطته أيضاً تنطوي تعقيد وشواشٍ لذيذ وممتع حين تتحوّل الطريق التي من المفترض أنها تؤدي إلى البيت، إلى بيت بحدّ ذاته، يقضي الشاعر بقية عمره في سلكه والسير فيه بحثاً عن بيت. ما يعني أن الشاعر يسكن الطريق المؤدية إلى البيت الذي فقده، وأنه في الوقت عينه، مسكونٌ بالبيت الذي يمضي إليه.


وليس بالضرورة أن يكون البيت غُرفاً وجدراناً تفصل ساكنيه عن المحيط الخارجي، بل ربما يكون الوطن أو الحريّة أو الطفولة أو الاحساس بالأمان والطمأنينة أو الحريّة والكرامة المفقودتين. أو ربما يكون البيت والطريق المؤديّة إليه هما الحنين والنوستالجيا التي تعتصر الشاعر وتطحنه نصوصاً لا نهاية لها. وعليه، القصائد الواردة في هذا المنجز الشعري، تخفي خلف المعنى المباشر للعنوان: “الطريق إلى البيت” معانٍ عدّة، أقلُّها؛ استبدال مقامات الثابت والمتحوّل، ليس على مستوى توظيف المفردة وحسب، وبل على مستوى منحها المزيد من طاقة الانزياح الدلالي، بحيث ينتقل البيت من المكان الثابت، إلى المتحوّل، والطريق من المكان المتحوّل إلى المكان الثابث. وهكذا، في تعاقب الأمكنة والأزمنة ثمة بيوت كثيرة، ضمن بيت واحد، وثمة طرق كثيرة، في طريق واحد. وثمة طريق يتحوّل إلى بيت، حين يطول الترحال والنزوح والهجرة. وثمة بيت يتحوّل إلى طريق أيضاً.
تصميم الغلاف أضاف قيمة جماليّة بصريّة – شعريّة للعنوان، فجمهرة البشر السائرة على غير هُدى، وبشكل عشوائي، وفي اتجاهات مختلفة، تؤكّد أن لكل شخص من هؤلاء طريقه المؤديّة إلى بيته. ما يعني أننا في هذا التصميم إزاء “طرقٍ” وليس “الطريق”، وبيوتٍ وليس “البيت”، في حالة تضاد ما بين الجمع والمفرد، والمجهول (النكرة) والمعلوم. كذلك الخلفيّات – الأرضيّات اللونيّة للغلاف، وعدد الأشخاص السائرين عليها، هي أيضاً أضافت جرعة من المتعة البصريّة المفضية على التأؤيل الشعري لهذا الكتاب. إذ نجد أرضيّة الوجه الأوّل للغلاف مقسّمة إلى لونين؛ الرمادي في الأعلى، والأخضر في الأسفل، والأزرق الغامق على كامل الغلاف الخلفي. وغير خافٍ على المهتمّين والمشتغلين في الحقل التشكيلي الرمزيّة والدلالات المتباينة بين الرمادي والأخضر على صعيد المعنى، والانطباع الحسّي المُتشكّل أثناء النظر إليهما. في القسم الرمادي هناك 9 أشخاص سائرون في اتجاهات مختلفة. وفي القسم الأخضر هناك 10 أشخاص على نفس الحالة. وثمة شخص واحد فقط في المنتصف، قدماه في المنطقة الخضراء (أوروبا) وخذعه ورأسه في المنطقة الرماديّة (الوطن – البيت). وربما يكون هذا الشخص المتشطّي بين هنا وهناك، هو نفسه مروان علي. أما الغلاف الخلفي، فيه 12 شخص، حالهم حال السائرين في الغلاف الأوّل، مع اختلاف الخلفيّة – الارضيّة الزرقاء الداكنة، وكأنّهم محاطون بليل دامس، لكنهم ماضون في طرقهم إلى بيوتهم.
وزّع مروان نصوصه التي قارب بعضها الومضات أو قصائد الهايكو، على أربعة محاور أو سلال شعريّة هي: “في البحث عن المكان الضائع”، ضمّ 26 نصّ. وأتى عنوان هذه السلّة منسجماً تماماً مع مضامين النصوص، بحيث طغت أرواح الأمكنة وذاكرتها على عناوين القصائد ومضامينها، ومن ذلك: “تحت شمس كرصور (قريته)”، “كرصور”، “القامشلي”، “عامودا”، “تدمر”، “حلب”، “حين غادرت حلب”، “دمشق”، “حين غادرت حلب”، “سوريا”، “كردستان”…الخ. ورغم تشابه بعض العناوين إلاّ أن المضامين كانت مختلفة، كما في قصيدتي “تحت شمس كرصور” و”كرصور”، إذ يقول في الأولى: “لا احد يعرف متى اشترى هذا المقص؟ تقول جدتي كوجري/ (…) مات جدّي ابراهيم. ماتت جدّتي (…) وما زال المقصّ الالماني يلمع تحت شمس كرصور” (ص10). بينما يقول مروان علي في القصيدة الثانية: “صعدتُ إلى أعلى نقطةٍ في امستردام/ ولم أرَ شيئاً من عتبة بيتنا الطيني في كرصور” (ص19). كذلك هناك قصديتان تتشابهان في العنوان هما “طريقي” و”طريق”. في الأولى يقول علي: “على سطح بيتنا، كنت استمع لفرانك سيناترا My Way/ بينما أبي يدخّن ويتأمّل حقول القمح/ ويفكّر كالعادة في موسم صيد الطير الحرّ” (ص14). وفي القصيدة الثانية التي اختتم بها مجموعته الشعريّة يقول: “كيف وصلنا إلى هنا؟/ ونحن لا نعرف من الطرق/ غير الطريق إلى البيت” (ص85). ما يعني أن التشابه في عناوين بعض النصوص، لم يفضِ إلى تشابه في مضامينها. ومع ذلك، نصادف في هذه المجموعة الشعريّة نصوصاً تبدو وكأنّها تتمة لبعضها البعض. كما في قصيدتي “كانت الحياة جميلة” و”كبرنا فجأة”. إذ يقول في الأولى: “كانت الحياة جميلة/ نشعل سيجارة حين نغضب/ ونركض حين نفرح/ ونشتاق بلا سبب/ كانت الحياة جميلة / قبل ان تتحوّل إلى ذئبٍ أبيض” (ص16). ويقول في القصيدة الثانية التي تلي الأولى في الديوان: “كبرنا فجأةً ولم نخبر أحداً/ صرنا أطفالاً، ومع ذلك، لم نعد نستطيع الركض/ خلف قطيع الخراف/ وأصبحنا نسمع كلام الأهل/ ونعود إلى البيت قبل حلول الظلام” (ص17). نفس الأمر ينطبق على قصيدتي “حلب” و”حين غادرت حلب”. إذ يقول في الأولى: “ننسى شيئاً ما كي نعود إليها/ لأنها حلب” (ص27). وفي الثانية يقول: “وحين غادرت حلب/ رأيتها تنظر إليّ وترفع يدها/ المدن كالبشر/ تبكي بصمت/ حين تشتاق وحين تكون وحيدة” (ص30). كذلك الأمر بالنسبة لقصيدتي “كانت حياتي حافلة” (ص37) و”حياتي” (ص40).
والمحور الثاني؛ “كان هذا الحبّ شاقّاً، ضمّ 13 نصّاً، تناولت الرومانس والايروتيكا وجيشان العواطف اثناء استحضار قصص الحبّ ومشاكسات الصبا: “صباح الخير لشَعركِ، لشِعركِ/ صباح الخير لسوتيانكِ/ صباح الخير لآثار احمد الشفاه على السرير/ صباح الخير للشامة الصغيرة، أسفل البطن/ لا يعرف مكانها، حتى زوجكِ” (ص55).
بينما ضمّ المحور الثالث؛ “لولا قبور الأصدقاء”، 9 نصوص، تناولت الحرب في سوريا وأهوالها: “أصبحت غريباً في بلادي/ لولا قبور الأصدقاء، لما وجدت الطريق إلى البيت. / سنتقاسم الحرب/ أنت تدفن الأصدقاء/ وأنا أبكي عليهم (…) انتهتِ الحرب/ وجدتُ البلاد/ وجدت الطريق، وفقدتُ البيت” (ص68-70).
وضمّ المحور الرابع “سيرة ناقصة” 7 نصوص، كشفت عن المزيد من الذاتية والبوح بما يعتمل النفس من أفكار وجوديّة وعلاقة الشاعر مع الحياة والتي وصفها بأنها “مجرّد سوء تفاهم” (ص81)، ناهيكم عن المزيد من الحديث عن آلام البيوت التي هجرها أهلها: “إنها أشجارنا/ تغني، كي تبدد قلق البيوت المهجورة” (ص82).
زدْ على سلاسة وبساطة اللغة في نصوص مروان علي، يمكن القول: إنها قصائد اللحظة الأخيرة أو الجملة الأخيرة التي تصدم وتدهش، بعد مجموعة عبارات وجمل هي أقرب إلى السرد منها إلى الشعر. وبالتالي، الجملة الأخيرة المشحونة، بما تنطوي عليه من مفاجأة ودهشة شعريّة، تكون كفيلة باستعادة النصّ من النثر والسرد، وإعادته إلى فضاء الشعر. وعليه، ربما الأقرب إلى الصواب تسمية قصيدة مروان علي بـ”قصيدة القفلة” أو قصيدة الخاتمة التي تطيح بالتراتب العادي للجمل. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، قصيدة “ويركض” حيث يقول: “وفي هذا الصباح/ اتذكّر تلميذاً في الصف الأوّل سنة 1978/ يحمل كتاب القراءة ويركض نحو المدرسة/ لكنه لم يصل حتى الآن” (ص12). فعبارة “ولكنه لم يصل حتى الآن” تشير إلى استمرار ركض الطفل، في ذاكرة مروان علي، منذ 1978 ولغاية 2017، سالكاً طريقَ المدرسة. هذا الطفل الذي هو مروان علي نفسه، ضمن هذا النص، ووفق هذه الخاتمة القفلة، التي تشبه الضربة الأخيرة على الوتر، اثناء انتهاء العازف من العزف على آلة وتريّة، هذا الطفل، يوحي بأن الأجمل من تحقيق الأماني والاهداف، هو الطريق إليها.
كذلك في قصيدة – ومضة “كردستان” التي تتألّف من جملتين تختصران مستقبلاً كاملاً، إذ يقول: حين تتحرر كردستان/ سأشتري بيتاً صغيراً في حلب” (39). ففي الكثير من قصائده يفصح مروان علي عن هويّته القوميّة في سياق التعبير عن همّه الإنساني والانتماء لآلام البشر. وفي هذه الومضة يحسم علي خياره بأنه مع استقلال كردستان. ولكنه، ربما بخلاف الكثير من الكرد، يفضّل الإقامة في حلب التي هي خارج كردستان.
ما من شكّ، ثمّة ما يمكن تسجيله على نصوص “الطريق إلى البيت” إيضاً. ومن ذلك، وجود صور مكررة أو متشابهة في النصوص، تمثيلاً وليس حصراً: “المقص الالماني يلمع تحت الشمس كرصور” (ص10)، “صليبي الملتمع تحت شمس هايستان” (ص23)، “تلك السكاكين التي تلمع تحت الشمس” (ص23).
مجمل هذه النصوص تؤكّد أن مروان علي يعيش خارج البيت، ويحاولُ سلك الطريق المؤدية إليه. ولكنه في الوقت عينه، مسكونٌ بالبيت، أو ببيوت وطرق وشوارع وبلدان كثيرة، لا حصر لها. فتصبح رحلة العودة إلى البيت شعريّاً ما يشبه التعويض أو المعادل الحسّي لفقدان البيت البعيد. أنه الحنين للماضي، بكل تفاصيله؛ القرية، البيت، الحقول، الطيور، الوطن ومدنه وساكنيها…، والخوف والقلق من فقدان هذه الأشياء إلى الأبد. مروان علي في “الطريق إلى البيت” يعيش نوستالجيا شديدة الشفافية والعذوبة، تطحنه شعريّاً، وتذروه قصائداً. حاله في هذه النصوص حال السنونو الذي يريد العودة إلى موطنه، لكنه ضلّ الطريق. ولم يبقَ أمامه إلاّ استحضار الوطن وذكرياته والبوح بها للمحيطين به، وسط لهيب وصقيع الغربة.
مروان علي؛ شاعر سوري يقيم في المانيا. ترجمت قصائده الى الانجليزية، الفرنسية، الايطالية، الهولندية، الالمانية، الفارسية، الكردية والتركية. شارك في العديد من المهرجانات الشعرية العالمية. من أعماله:
“ماء البارحة” / بيروت ٢٠٠٩
“غريب .. لا شيء عنك في ويكيلكس” / البحرين ٢٠١٤
“صورتنا بالأبيض والاسود” / مختارات بالتركية. اسطنبول ٢٠١٦

عن موقع رابطة الكتاب السوريين
http://syrianwa.org/2018/01/02/هوشنك-أوسي-الطريق-إلى-البيت-لمروان-عل/

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات