القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: النص الفيسبوكي وسطوة المتلقي...!

 
الأثنين 08 كانون الأول 2014


إبراهيم اليوسف

استطاعت وسائل الاتصال ما بعد الحداثية أن تختصر المسافة بين النص –المتلقي، لنكون أمام المواجهة المتواصلة، والتحدي بأعلى الوتائر، مادام أن مجرد النقر على أيقونة "الإنتر" في لوحة مفاتيح الكمبيوتر، بعيد إنجاز أي نص لنا، يسقط نسبه الشخصي، ويغدو من ضمن دائرة الملك العام، مشاعاً، يكاد لا يحيل إلى المصدر، وإن كان الناص مسؤولاً أمامه، من حيث درجة نضوجه، وإبداعيته،  مادام أنه يغدو في دائرة التفاعل في إمبراطورية التواصل الاجتماعي، ويظل له صوت واحد-فحسب- عبر مقدرة المرافعة عن نصه، عن بعد، أوعن قرب، لا فرق، بالدرجة نفسها التي يستطيع المتلقي ذاته التفاعل مع النص، تلقياً، أو كتابة ثانية، حيث تغدو المسؤولية-هنا-مشتركة، بين كتبة النص، عبر أحد أشكال الاستقبال المتدرجة  بين أقاصي الرفض و أقاصي القبول، أو الاستحسان.


النص الفيسبوكي في كتابته الأولى:
 
لابد-هنا- أن نحدد أن النص الفيسبوكي الذي نتحدث عنه، هو النص الإبداعي، بل هو النص الذي يمتلك شرط شعريته، هذه الشعرية المتولدة، من خلال جملة أدواته، على صعيد اللغة، أو علاقة المفردة بالأخرى ضمن الجملة، أو على صعيد الرؤيا، أو المضمون، أو على صعيد الصور، أو الإيقاع..إلخ، رغم أن كل هذه الأدوات المذكورة متداخلة في النص الجديد، ومن بينه النص الفيسبوكي إلى الدرجة التي لا يمكنه فيها تجزيؤها، إلا لداع تشريحي، مجازي، كما نفعل الآن.
والكتابة النصية الأولى، في هذا المقام، تعود إلى الناص، كمقترح أول، وذلك لأن ما يكتبه إنما هو نتاج رؤى ذاتية، تتعالق فيها نصوص أخرى، سابقة، شعرية، أو غير شعرية، عبر عملية المثاقفة، أو التجربة، ويتعدى دوره صياغة الاقتراح الأول، من خلال ما يحققه من تجاوز جزئي للذات، وللآخر، إبداعياً، وتقل درجة حضوره، كلما كان حضور الآخر فيه عبئاًً على الخصوصية، وعلى هذا الأساس، فإنه من خلال متابعة تاريخ ولادة الفيسبوك، ضمن شبكة التواصل الاجتماعي، أو عبر استقراء بروفايله الشخصي، فإننا نستطيع أن ننسب-في حدود متابعاتنا الشخصية أو العامة- بعض النصوص، لمقترحيها الأوائل، وإن كان حضور الآخرين لابد منه، عبر أكثر من شكل، قبل الاقتراح، أو بعده.
إن هذه النصوص التي تحيل ضمن هيولى شبكة التواصل إلى مجرد أسماء معينة، فإنها تقدم "السجل الإبداعي" لذاتها، وهو ما نقوله عنه-أي السجل الإبداعي- كمرادف للسجل المدني، وكمصطلح يدل على تاريخ ولادة، وملامح، وخصوصية للنص، وهي مرتبة ملفتة بالنسبة إلى المدون في هذا الحال، وإن كنا نجد-في المقابل- تراكماً هائلاً لهاتيك المدونات التي قد تقدم دلالاتها، معرفياً، بيد أنها لا تحقق نصيتها، الشعرية.
 
بروفايل البوست:
 
 
البوست عالم لامتناه، يندرج ضمن إطاره كل ما هو مدون، دون أي شرط، بحيث أن يستطيع أي"فيسبوكي"أن يدون ما يرتئيه، بدءاً من الإعلان الشخصي، أو الطرفة، أو الموقف السياسي..إلخ، كما يستطيع الشاعر أن يجد فيه وسيلة تعبيرية، كما القاص، كما الروائي، كما الناقد، وإن كانت هناك شروط نشر فيسبوكية باتت تتأسس، أي أن هناك شروط المشاركة في هذا العالم، وأخلاقيات المشاركة، رغم حالات المروق الهائلة على كل شرط، وربما أن حالات المروق تكاد تكون الملازم لعالم النشر الفيسبوكي، وكتحد لشروط النشر التقليدية، هذه الشروط التي يتم كسرها، وانتهاكها، والتمرد عليها، وولادة حالة جديدة، هي أول مغامرة عبر تاريخ الكتابة-طراً- إلى درجة أن كل منتم إلى هذا العالم الافتراضي صارفي مكنته أن يغدو مدوناً، أو: كاتباً-بمعنى أو بآخر-إلى درجة اللبس، المفزعة، لقواعد الكتابة، بحيث بتنا نجد خلخلخة كبرى، باتت تؤدي إلى التهديد بانهيار سطوة الكتابة،لاسيما في ظل غياب النواميس، وآلة النقد، أو الفرزبين غث المدون وسمينه.
 إذاً، المدون الفيسبوكي-كشكل تدويني افتراضي-لاهوية له، هو الكتابة كلها، بل هو اللاكتابة، والكتابة، في آن، هو النص محقق الشرط التجنيسي، ومفتقده، ولهذا فإن مهمة تقويم النص باتت محفوفة بمصاعب كثيرة، وإن كان الناقد التقليدي، غير مطالب إلا بتناول ذلك النص الذي يدخل ضمن إطار تخصصه، لينظر فيه، جمالياً، و رؤيوياً، معترفين، أن هذا الفلتان، أو الاستسهال، التدويني، في هذا الفضاء، بات خطراً مهدداً للذائقة، والإبداع، بل ولمستقبل الكتابة، على ضوء مفهومها المتعارف عليه الآن.
النص الفيسبوكي في كتابته الثانية:
 
 
ثمة إشكال، في تصنيف الكتابة، هنا، وتسميتها ب"الثانية"، وذلك لأن النص الافتراضي-عامة- والفيسبوكي من ضمنه، على نحو جد خاص، يكون أمام  متلق تال متجدد، وقادر على التواصل مع سواه، كما هو قادر على التواصل مع الناص، وفي هذا ما يجعل هذا المتلقي يتعامل مع النص ضمن أكثر من لحظة كتابة، أي أنه قادر على أن يتحاور معه، إلى ما لانهاية، كما هو حال الناص، أو الكاتب الأول للنص، وفي هذا ما يسقط  الكثير من الرؤى النقدية ما بعد الحداثية، ومن بينها:البنيوية- والسيميائية إلخ، بل هنا فإننا أمام موت فكرة" موت المؤلف" التي نادى بها رولان بارت"  1915-1980 "، حيث يعاد الاعتبار إلى المؤلف، وهو ما سنتوقف عنده، في موقع آخر، بما يمكن القول: إن الكتابة الثانية للنص مفتوحة، إلى ما لانهاية، في حال استمرار الحاضن الافتراضي، وهنا فإن خطورة من نوع آخر تهدد النص، تتعلق ببنوته.
       
    
الأبوة المشتركة:
تناول النقاد، طويلاً، مسألة بنوة النص الإبداعي، وعلاقته بسواه، وذلك من خلال منظور علم التناص-بحسب فهم جوليا كريستيفا " 1941-   " والذي ركزت عليه في العام 1967، بيدأننا، إزاء النص الافتراضي، وسليله الفيسبوكي، نكون أمام إشكال أكثر تعقيداً، والتباس أشد، وذلك لأن "الكومنت" الذي يذيل كحاشية، لهذا النص، إنما يغدو من صميمه، إذ أننا في حالة تناسف، أو تواشج بين:المتن-والحواشي والإضافات، بل أن أوائل مغامري إنتاج النص الفيسبوكي، سواء أكانوا في عالم القصيدة، أوحتى الرواية، عدوا هذه الإضافات، من ضمن نصوصهم، لذلك فإن خلخلة أشد، وأدهى،  تظهر، في مايخص نسب هذا النص، وسلالته، لأن التناص هنا، ليس من نوع "النص الغائب"، ولا من نوع النص "الحاضر" أو "التلاص"، بل هو من نوع الزواج أمام جمهرة الشهود، مادام أن كل إضافة موقعة باسم ناص خاص. و أعتقد أن من شأن التأمل في هذه النقطة-تحديداً- أن يكون مدعاة عامل مراجعة نقدية عامة، عما قريب...؟.
 
خلود النص
خلود الناص
إذاً، هل نحن في حضرة انقلاب مفاهيمي، نقدي، آخر، وهو موت "موت المؤلف" وولادة مؤلف آخر، استطاع بعد أن أصبح العالم" كارت كف "أن يتناول" عشبة الخلود" التي لما يزل أنكيدو يبحث عنها، دون جدوى، بعد أن حصل على نصف ما تمناه، وهو خلود الاسم، أو النص، مقابل حضوره، أو خلوده الرمزي، لقاء ذلك، حيث بات الناص الافتراضي قادراً-  شرط استمرار تدفق المحيط الإلكتروني- أن يمنح روحه كيمياء التجدد، كما يمنح نصه ذلك السحر الخاص. إذ أن غيابه الفيزيولوجي سيوقف إضافاته على متن النص، بيد أن غيابه في ساعة القراءة، لم يعد ذلك المعوق الكبير، والحائل، بينه و جمهرات المتفاعلين مع نصه...!
 
زمن القراءة:
من بين التكسير المفهومي لبنية النقدين التقليد، والحديث، وما بعد الحديث، أن الفارق بين زمن النص، وزمن القراءة، يكاد يتلاشى تدريجياً، حيث يمكن الناص أن يكون من عداد أول متلقي نصه، مشاركة، ناهيك عن أنه قادر على تعديل النص، وإن كان من بين خصائص النص الإلكتروني عرض التعديل، أو سلسلة التعديلات، وجعلها في متناول المتلقي، ليكون على معرفة، بحالات الناص، في كل مرة.
استبداد الناص:
ثمة شكل أخير، لسلطة الناص، بات مسموحاً بها في إمبراطورية الإلكترون العظمى، وهو مقدرته على محو نصه، وإطلاق نص بديل، بعد الاستفادة، خلاصة تلقيه، أو حتى تلقي سواه للنص، أو أنه قادر على أن يتركه، مع هاتيك التعديلات، أو الإضافات، أو الحواشي، وهذا يعد الشكل الاستبدادي الأخير للناص الافتراضي.
 
سطوة المتلقي:
 
يشكل المتلقي، أو كاتب النص، في نسخته ما بعد الأولى، قوة حضور رمزية، يتحسب لها الناص، لأن البعد المكاني، كمواز، للبعد الزمني، قد تآكل، وانهار، تماماً، بما يجعل  جمهرات متلقيه، يعيشون معه، في مكتبه، أو وراء شاشة كمبيوتره، بل تحت جلده، وفي مسرى الدم، يستطيع تقدير مستوى تفاعلهم مع نصه، سلباً أو إيجاباً، وهو مؤشر غير دقيق، البتة، وبعيداً عن سطوة ما هو شعبوي، فلرب نص رديء، يلقى استحسان الآلاف، أو ما لانهاية لهم، من معجبين، خلال ومضة العين، ولرب نص إبداعي، ينفر منه كثيرون، ولا ينال تقويمه، بالشكل الذي يستحقه، حيث نحن إزاء إشكال قيمي، سببه، إتاحة النص، أمام العامة، وبعيداً عن نخبويته المتعارف عليها، من قبل.
أية كانت درجة سطوة استبداد الناص، فإنه أمام متلق آخر، جديد، له سيكولوجيته الخاصة، وعليه أن يضعه بعين الحسبان، أنى دون نصه الجديد، وهو متلق، قد لا يكترث كثيراً، بالفارق بين النصين الإبداعي، واللاإبداعي- كامتياز تقني فني للأول منهما- وهو تحد جديد، وإن كان في مقدور هذا الناص أن يحدد، متلقيه، دون إشراك العامة، بما ينافي  جوهر وظيفة الناص، المبدع، أو صورته، أو حتى مسوغات إنتاجه للنص الذي لا أهمية له، من دون أن يكون في متناول من يريد، وإن كان المتلقي -العرضي- لامناص منه، حيث يظهر هو والمتلقي النخبوي، في موقع واحد، وهنا أحد مآزق النص الافتراضي.


فصل من كتاب" إبرة الذهب" شعرية النص الفيسبوكي- قيد الطباعة

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.42
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات